كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
الضجّة التي أثارها تقريرُ مصرف «غولدمان ساكس» في البلد تبيّن أنها زوبعةٌ في فنجان، وأنّ ما اعتُبر مؤشراً خطيراً، ليس سوى مجرد سيناريو إفتراضي لا يستند الى معطيات أو وقائع تسمح بمناقشته بجدّية.
يسأل الخبير الاقتصادي في «غولدمان ساكس» فاروق سوسا عمّا اذا اضطُرّ لبنان الى إعادة هيكلة ديونه، ويعطي فرضيات حول هذا الأمر، ترتبط إحداها بتحمّل القطاع المصرفي اللبناني أيّ المصارف التجارية، كلفة هذا الأمر، عبر اقتطاع 65 في المئة من قيمة السندات السيادية التي تحملها والبالغة قيمتها 36,5 مليار دولار أي ضعف رؤوس أموال المصارف. وهذه الفَرضية من شأنها أن تؤدي الى انهيار النظام المصرفي.
ويقول سوسا، إنه في ظلّ انعدام آفاق تحقيق أيِّ تقدّم على الصعيد السياسي والاقتصادي والمالي في البلاد، فإنّ إمكانية حدوث أزمة مالية والتخلّف عن سداد الديون، تنمو يوماً بعد يوم.
ويرى خبير «غولدمان ساكس» أنّ العلاقة «التكافلية» بين السلطات والمصارف تُعقّد عملية التوصل الى أيّ صيغة لتخفيف أحد أكبر أعباء الديون في العالم، «إلّا أنّ أيَّ عملية إعادة هيكلة، سيتمّ تصميمُها بطريقة تُبعد الانهيار عن المصارف المحلية».
ورغم أنّ غولدمان ساكس استبعد في تقريره الأخير إعادة هيكلة الديون، إلّا أنه رسم سيناريو يقدّر فيه نسبة استرداد المستثمرين من قيمة السندات السيادية اللبنانية التي يحملونها في حال وقوع الأزمة المالية وقيام الدولة بإعادة هيكلة الديون.
ووفقاً لسوسا، فإنّ المصارف اللبنانية هي المتضرّر الأكبر لأنّ المستثمرين قد يستردّون 35 في المئة من قيمة السندات في حال كان معدل النموّ السنوي عند 2,6 في المئة، وقد تنخفض نسبة الاسترداد الى 27 في المئة في حال تراجع قيمة الليرة اللبنانية. ويشير سوسا الى أنّ البلاد عاجزة عن المحافظة على استدامة ديونها من خلال الإصلاحات المالية، لأنّ ذلك يتطلب إما خفضاً كبيراً في أسعار الفوائد أو نسبة نموّ خيالية. ويلفت الى أنه رغم انّ هذين الاحتمالين واردان، إلّا انهما خارج سيطرة صنّاع السياسة ويعتمدان على التطورات الإقليمية السياسية والاقتصادية.
لكنّ سوسا يؤكد في المقابل أنّ النظام المالي اللبناني يملك احتياطياً من العملات الأجنبية قادراً على تمويل العجز لسنتين إضافيتين، إلّا أنّ ثقة المستثمرين في اقتصاد البلاد بدأت بالتدهور ولا يستبعدون تنفيذ إعادة هيكلة للديون.
أما اللافت فهو أنّ البنك الاستثماري «غولدمان ساكس» سبق أن حذّر في تقريره، الذي حمل عنوان «إلى متى سيستطيع لبنان تمويل عجوزاته؟» والصادر في كانون الاول الماضي، من مشكلة التمويل المالي للبنان، في ظلّ استبعاد ولادة الحكومة الجديدة، لكنه نفى توقعات حدوث انهيار مالي ونقدي، «في ظلّ قدرة المصارف على تمويل استحقاقات الحكومة المالية حتى العام 2021، رغم توقعه ارتفاع الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 170 في المئة بحلول عام 2022». فما الذي تبدّل منذ شهر الى اليوم؟
اسكندر
في هذا الاطار، أوضح الخبير الاقتصادي مروان اسكندر انه في حال تطبيق السيناريو المطروح فإنّ المودعين هم المتضررون والمقبلون على الإفلاس، لأنه سيتمّ اقتطاعُ 65 في المئة من أموال المودعين.
واعتبر أنّ هذه السيناريوهات بعيدة، والأقرب منها هو تشكيل الحكومة والشروع بأبسط الإصلاحات وهي قطاع الكهرباء الذي سيوفّر على الخزينة مليارَي دولار سنوياً. وشدّد على «أنّ لبنان ليس معرَّضاً للانهيار بهذا الشكل إلّا إذا استمرّ أهلُ الحكم بهذا الطمع».
وأكد اسكندر لـ»الجمهورية» أنّ «ما يعاني منه لبنان اليوم هو عدم الثقة بالحكم»، وأعطى مثالاً على ذلك عندما بلغت تحويلات المغتربين اللبنانيين الى لبنان في 2009 بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية 24 مليار دولار. هذا الواقع يؤكّد وجودَ طاقات لبنانية في الخارج غير مستعدّة في الظروف الحالية للاستثمار في لبنان. وقال اسكندر إنه «في حال بقي الوضع الحالي في لبنان قائماً على السياسة الخاطئة المتّبعة، فإنّ السيناريو الأقرب لتسيير الأمور ليس الإفلاس، لأنّ الدولة لا تفلس، بل خفض سعر صرف الليرة الى حدٍّ كبير».
مخايل
من جهته، رأى رئيس قسم البحوث في بنك لبنان والمهجر للأعمال مروان مخايل أنّ «غولدمان ساكس» رسم سيناريو وأقرّ في تقريره استبعاد حدوثه، معتبراً أنّ أيّاً كان يمكنه رسم السيناريو الذي يريد من خلال اقتطاع نسبة 65 أو 80 أو 50 في المئة من قيمة السندات، أو عبر خفض قيمة الليرة الى 3000، «فهذا سيناريو نظري عبارة عن تمرين عقليّ لنظريةٍ ما».
وقال مخايل لـ«الجمهورية» إنه لم يأخذ هذا السيناريو المطروح بالاعتبار، لأنّ المضمون لا يحوي على مؤشرات أو معطيات جديدة بل إنه فقط عنوان قائم على نظرية غير واردة ومستبعَدة.
وأكد أنّ هذا السيناريو ليس الحلّ لاستدامة الدين العام بل إنّ «تشكيل الحكومة هو عامل وحيد كفيل باستعادة التوازن للاقتصاد من دون الدخول في سيناريوهات دراماتيكية لا تؤدّي الى الحلول المرجوّة كما يشير تقرير غولدمان ساكس». ولفت الى أنّ «المشكلة الحالية الأساسية اليوم هي استعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني، وبالتالي فإنّ تشكيل الحكومة أصبح ضرورة قصوى من أجل تفعيل بعض الإصلاحات على صعيد قطاع الكهرباء ورفع الإيرادات وخفض النفقات».
و«في حال بقاء الوضع على ما هو عليه اليوم وعدم تشكيل الحكومة في وقت قريب»، يرى مخايل أنّ «سيناريو «غولدمان ساكس» يزيد الوضع سوءاً لأنه سيساهم في مزيد من فقدان الثقة وخروج الأموال من لبنان».