على هامش مشاورات تشكيل الحكومة التي تُسيطر عليها البرودة تماماً كما حال الطقس، دخلت الموازنة العامة دائرة الاشتباك السياسي من بوّابة دعوة حكومة تصريف الأعمال إلى عقد جلسات “الضرورة” أسوةً بـ”تشريع الضرورة” من أجل إقرارها، لأن الأوضاع الاقتصادية والمالية “المُهترئة” وفق الداعين لتفعيل تصريف الأعمال، لا تحتمل “ترف” التأخير الحكومي ولا بد من إقرارها للتخفيف من تداعيات هذا التأخير.
ويتصدّر رئيس مجلس النواب نبيه بري سباق المنادين بجلسات حكومية ضرورية تحت راية الموازنة العامة من أجل انتظام المالية العامة، لأن تشكيل الحكومة برأيه “كان في خبر كان وأصبح اليوم فعل ماضٍ ناقص ولم يبقَ سوى الدعاء لله لإخراجها من دائرة التعطيل”.
وبدأت دعوته تلقى أصداء ايجابية بين القوى السياسية حتى لو لم تعلن موقفها رسمياً وحتى الرئيس المكلّف سعد الحريري يُبدي ليونة تجاهها، وهو قال ردّاً على سؤال حول إمكانية أن يكون الاجتماع الموسّع في بيت الوسط لمتابعة ذيول العاصفة الأخيرة مقدّمة لتفعيل حكومة تصريف الأعمال، “كل شيء ممكن” وعن جلسات حكومية لإقرار موازنة 2019، “الموضوع قيد التشاور”.
ويتوقّع ألا تكون بعبدا بعيدة من أجواء الدعوة لتفعيل حكومة تصريف الأعمال من أجل إقرار الموازنة، خصوصاً أنها تعتقد بأن إقرار الموازنة في موعدها الدستوري شكّل نقطة أساسية في سجل انجازات العهد.
وفي مقابل هذا التوافق السياسي الذي بدأ يطل برأسه من بوّابة الموازنة خلافاً لمشهد الاختلاف حول التشكيل، دخلت بكركي على الخط برفضها الصريح الدعوة إلى تمرير الموازنة، واعتبرت في بيان “لافت” إثر اجتماع المطارنة الموارنة أن “الكلام المتداول عن سوابق وفتاوى تتناول تمرير الموازنة العامة، بدلاً من استبدال العلاجات الموضعية بالعلاج الأساسي وهو اكتمال عقد السلطات الدستورية، يأتي خلافاً لمنطوق الدستور والقانون”، معربةً عن “القلق من ممارسات آخذة بتحوير الخصوصية اللبنانية التي يكرسها الدستور والميثاق الوطني والقائمة على العيش المشترك وتقاليده وعلى الاحترام المتبادل وصون الحرية الشخصية”.
وتسأل مصادرها: “هل كل هذا “الترقيع” للأزمة التي نتخبّط بها يُعفي المعنيين من القيام بواجباتهم في تشكيل حكومة”؟ وتقول عبر “المركزية” “تفعيل الحكومة المستقيلة له حسنة وحيدة هي معالجة جانب من جوانب الأزمة الاقتصادية أي انتظام المالية العامة عبر إقرار الموازنة لكن في المقابل نُثبت أن البلد يُمكن أن يستمر من دون حكومة أصيلة ومكتملة الشرعية ومتى استشعرنا بخطر داهم مالياً واقتصادياً على البلد نستطيع عقد جلسات للحكومة المستقيلة بإستحداث فتاوى تحت عنوان الضرورة”.
أضافت: “حرام إهدار المزيد من الوقت والتلّهي بأمور غير أساسية في وقت يتكبّد البلد الخسائر نتيجة استمرار أزمة تشكيل الحكومة وجلسة الموازنة إذا ما حصلت لن تُعقد قبل أسبوعين أو ثلاثة كما أن مناقشة بنود الموازنة يستغرق وقتاً، فمتى نُشكّل الحكومة”؟
وجزمت مصادر بكركي “بأن البلد يحتاج إلى حكومة وفوراً وإذا ما فعّلنا الحكومة المستقيلة، هذا معناه أننا موافقون على استمرار الـوضاع على ما هي عليه. فما الجدوى من الموازنة إذا طار البلد؟ يا ليتهم يصبّون جهدهم على تذليل العقبات أمام ولادة الحكومة والانصراف بعدها إلى الاهتمام بالأمور المالية وعلى رأسها الموازنة العامة”.
وأكدت أننا “نتفهّم حرص الرئيس بري على البلد واستشعاره للمخاطر الداهمة، لكن من مصلحة البلد أولاً واخيراً تشكيل الحكومة، وموقفنا من الموازنة ليس موجهاً ضد عين التينة فعلاقتنا جيّدة مع الرئيس بري لكن الوضع لم يعد يحتمل. الحكومة ضرورة اليوم قبل الغد”.