فيما تمضي الرزنامة الحكومية في طي أيام التكليف من دون أن يشير أي شيء إلى احتمال واقعي لإبصار الحكومة النور قريبا، وإن دأب المفرطون في التفاؤل على ضخ الايجابية في الأجواء، لا تنفك العقدة السنية تثبت أنها ليست إلا الواجهة التي يتلطى خلفها المعطلون لإطالة أمد الوقت المستقطع حكوميا بهدف إجراء الحسابات السياسية البعيدة المدى، خصوصا إذا صحت التوقعات في أن تعمّر الحكومة العتيدة حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
تبعا لهذه الصورة، تقرأ مصادر سياسية مطلعة، عبر “المركزية”، المواقف المهمة التي أدلى بها رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام النواب من زاوية تتجاوز رسائله المشفرة المعتادة في اتجاه الغارقين في كواليس التشكيل لضرورة الاسراع في تأليف الفريق الوزاري العتيد.
ولا يغيب عن بال المصادر التذكير، في هذا الاطار، أن الضغط الذي يمارسه رئيس المجلس، ظاهريا على الأقل، في اتجاه التأليف، تقابله دعواته المتكررة إلى إعادة ضخ الحياة في شرايين حكومة تصريف الأعمال من باب ضرورة إقرار موازنة 2019، في وقت يجهد “حزب الله” لإبعاد شبهة التعطيل الحكومي عنه، خصوصا بعد فشل الوساطة الأخيرة التي أعادت الأمور إلى مربعها الأول. صورة تدفع البعض إلى الحديث عن توزيع أدوار بين طرفي الثنائي الشيعي، المصرين على خوض الحرب المفتوحة مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، بدليل رميه بتهمة التعطيل.
غير أن المصادر تفضّل قراءة الصورة من منظار أشمل، معتبرة ان توقيت مواقف بري، وهو أكثر العارفين بشؤون وشجون السياسة اللبنانية، وقد خبر التعامل مع معظم أركانها على مدى أكثر من ربع قرن، تُعد رسائل مشفرة إلى رئيس الجمهورية والفريق المحسوب عليه. بدليل أن فيما كان عون يؤكد أمام السلك الدبلوماسي استمرار العمل “بالشراكة مع الرئيس المكلف” من أجل التأليف، قذف رئيس المجلس مجددا الحكومة إلى عوالم الغيب، ذاهبا إلى حد المطالبة العلنية بتأجيل القمة الاقتصادية المتوقع عقدها في بيروت الأسبوع المقبل، في مقابل إصرار عون على عقدها في موعدها، وإن كانت الحكومة تصرف الأعمال.
في هذا الاطار، تعتبر المصادر أن العلاقات بين بعبدا وعين التينة ما تزال معلقة على “خطوط التوتر العالي” الذي أذكاه فيديو محمرش الشهير، مفجرا شعرة معاوية بين الطرفين، وقد عمقت الانتخابات النيابية الأخيرة هذا الخلاف، وإن كان التقاء طرفيه على “تشريع الضرورة” خفف من حدته بعض الشيء.
وتختم المصادر لافتة إلى أن الانتظار الحكومي الطويل الذي من المرجح ألا ينتهي قبل القمة مرشح لأن يشهد مزيدا من الاختلافات بين عون وبري، خصوصا إذا مضى الدائرون في المحور المؤيد لسوريا في الضغط في اتجاه دعوتها إلى القمة العربية، في محاولة لحشر ركني سيبة العهد (الثنائي عون- الحريري) في زاوية سياسية تضاف إلى ما تسميه مصادر مطلعة على مسار التأليف، محاولة “حزب الله” “كسر الرئيس الحريري في معقله”.