كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: لم تكد العاصفة «نورما» أن تحزم رياحها الهوجاء وأمطارها الطوفانية وسيولها الجارفة، حتى لاحتْ في الأفق اللبناني مَلامِحُ عاصفةٍ سياسية تحت «سماء» مأزق تأليف الحكومة الجديدة وأزماته… المتفرّعة.
وفيما كانت «نورما» تودّع «بلاد الأرز» أمس تاركة خلْفها نِعْمةَ الأبيض، الذي رَسَمَ أجمل اللوحات فاتحاً الطريق أمام موسم تزلُّج واعدٍ، و«نَقْمةَ» اللبنانيين على انكشاف مشهدِ ما بعد العاصفة على أضرارٍ بعضُها نتيجة طبيعية لـ«غضب الطبيعة» وبعضها الآخر سببه الإهمال المتمادي على صعيد الاستراتيجيات الوقائية كما الترهّل في البنى التحتية، دهمتْ الواقع السياسي غيوم داكنة بدت مؤشراً الى «توتراتٍ» في أكثر من اتجاه من شأنها تعميق الأزمة الحكومية أكثر وإدخال لبنان في تجاذباتٍ يختلط فيها المحلي بالإقليمي.
ولم يكن أدلّ على «المنخفض السياسي» الساخِن الذي يطلّ برأسه من «الصواعق» التي رمى بها رئيس البرلمان نبيه بري وتنذر بعودة علاقته برئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه الى دائرة «التوتر العالي»، وذلك بعد «شبْكه» ثلاثيّ الحكومة الجديدة والقمة التنموية الاقتصادية العربية والعلاقة مع سورية.
واستوقف أوساط سياسية في بيروت، ان بري ارتأى أمام النواب الذين استقبلهم في «لقاء الأربعاء» تأجيل القمة التنموية المقررة في بيروت (19 و20 يناير) «لتتوافر أمامها عناصر النجاح بتشكيل حكومة في القريب العاجل»، مضيفاً ان «موضوع الحكومة اصبح فعل ماض ناقص»، وذلك بعدما كان النائب عبدالرحيم مراد نقل عنه أنه «لا يجوز أن تنعقد القمة الاقتصادية من دون مشاركة سورية».
وبدا كلام بري عن القمة والحكومة برسْم عون الذي كان أعلن قبل 3 أيام «فك الارتباط» بينهما في غمرة ما فُسِّر على أنه محاولات استخدام الأولى عنصر ضغط في ملف التشكيل، جازِماً بأنّ القمة ستُعقد في موعدها ولو في ظلّ حكومة تصريف أعمال، فيما اعتُبر موقف بري من القمة وسورية موجّهاً أيضاً الى فريق عون الذي يرى أن دعوة دمشق الى «التنموية» من اختصاص الجامعة العربية وترتبط بإعادة عضوية سورية.
ورغم تعاطي بعض الدوائر مع اندفاعة بري على أنها في سياق تقديم «أوراق اعتماد» الى النظام السوري الذي يأخذ على رئيس البرلمان «مواقفه الرمادية» طوال فترة الحرب في سورية، إلا أن الأوساط السياسية تطرح علامات استفهام حول ما إذا تظهير انقسامٍ داخلي حيال القمة التنموية من شأنه ان يوفّر ذريعة للراغبين في طلب تأجيلها، وهو الأمر الذي يشكل نكسة لعون الراغب في تحقيق إنجاز ديبلوماسي – سياسي في خضمّ التعثّر الذي يصيب عهده في ضوء المأزق الحكومي المتمادي.
وما زادَ من ملامح خروج الجمر مجدداً الى فوق «رماد» علاقة عون – بري، انفجار سجال بين النائب علي بزي (من كتلة بري) ووزير العدل سليم جريصاتي (من فريق عون) بعد توجيه الأخير كتاباً إلى التفتيش القضائي طلب فيه «الاطلاع على مسار الملف المتعلق بتوقيف هنيبعل القذافي في لبنان (بعد خطْفه من سورية)» على خلفية مسؤولية نظام والده العقيد معمر القذافي عن إخفاء الإمام موسى الصدر «والتأكّد من خلوّه من أي مخالفات أو تجاوزات»، مشيراً إلى مراسلات في هذا الخصوص من جنيف (اللجنة الدولية لحقوق الإنسان والفريق المعني بالاعتقالات التعسفية حول مآل التوقيف وظروفه) وكاشفاً عن «مطالبة الدولة الليبية كما والدولة المضيفة سورية باستعادة هنيبعل».
ولم يتوانَ بزّي عن وصف كتاب جريصاتي بأنه «فرمان»، معتبراً أن وزير العدل «تجرأ على المسّ بالحق والحقيقة وقدسية إمام الوطن بخرْق القانون والأصول وليعلم بأن دسّ السم في العسل أو الدسم لا ينفع، ونتحداه إثبات أي مراسَلة جديدة من جنيف كما يزعم»، ومعلناً «الصحيح الوحيد في كلام جريصاتي هو وجود (حملة) تقف وراءها في لبنان وليس في جنيف تلك الليبية ريم الدبري التي تتجوّل مع حقيبة خضراء».
وفي هذا الوقت، كان عون يطلّ على الملف الحكومي خلال استقباله أعضاء السلك الديبلوماسي لمناسبة السنة الجديدة، معلناً أمامهم انه يعمل جاهداً من موقعه «للمحافظة على الخيارات الوطنية الكبرى التي صانت الوطن منذ عقود»، معتبراً «اننا نعمل على تحقيق توافق واسع وتام لبت بتشكيل الحكومة بالشراكة مع رئيسها المكلف»، ولافتاً الى أنه «ما كان يجب أن تطول (ولادة الحكومة) لو اعتُمد منذ البدء معيار عدالة التمثيل (…) وخصوصاً أن الظروف الضاغطة المحيطة بنا والتحديات الداخلية لم تعد تسمح بالمماطلة (…)».
وكان عميد السلك الديبلوماسي السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتيري ألقى كلمة أعلن فيها «اننا نرفع الدعاء الحار بأن تتشكّل الحكومة في أسرع وقت (…) فيستطيع لبنان الافادة من الدعم الدولي الذي وعِد به في أكثر من مؤتمر»، معتبراً «أن من شأن تشكيل حكومة قويّة اتاحة الفرصة للبنان كي يعتبره المجتمع الدوليّ شريكًا أهلاً بالثقة»، ومؤكداً ضرورة الالتزام بالقرار 1701.
وفيما يتحضّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لدعوة القيادات المارونية الى الاجتماع في بكركي للضغط من أجل تشكيل الحكومة، جدد المطارنة الموارنة المطالبة بتشكيل حكومة مصغرة «من اختصاصيين مستقلين، مشهود لهم بنظافة الكف والضمير، قادرين على تولي المهمة الإنقاذية المطلوبة قبل انهيار الهيكل على الجميع».