كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:
علق معظم اللبنانيين الآمال على ان تشهد الأسابيع الأولى من السنة الجديدة، بداية الانتهاء من المراوحة السياسية في عملية تأليف الحكومة الموعودة، وقد ارتفعت نسبة هذه الآمال بعد زيارة التهنئة بالاعياد المجيدة التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري إلى رئيس الجمهورية، وأعلن من هناك انه لم يبق امام ولادة الحكومة العتيدة سوى عقدة واحدة، وكان يقصد بها، عقدة توزير أحد النواب السُنَّة الستة أو من يمثلهم حصرياً، وارتفع منسوب الآمال، بعد زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إلى بيت الوسط، وخروجه متفائلاً بقرب ولادة الحكومة استناداً إلى اقتراحات خمسة حملها إلى الرئيس الحريري.
غير ان هذه الآمال، ما لبثت ان تلاشت بعدما كشف النقاب عن اقتراحات الوزير باسيل الخمسة، بحيث تبين ان كل هذه الاقتراحات تصب في هدف واحد، وهو حصول رئيس الجمهورية وحزبه على الثلث المعطل في جميع هذه الاقتراحات، وتبين لاحقاً ان الرئيس المكلف رفضها بالشكل والمضمون، وأكّد على موقفه الثابت لجهة عدد أعضاء الحكومة العتيدة ولجهة توزيع الحقائب على الكتل النيابية والأحزاب المشاركة في هذه الحكومة، الأمر الذي اثار حفيظة حزب الله الذي وبالرغم من مظاهر الخلاف مع التيار الوطني الحر، ما زال يدعم توجهات هذا الأخير بالنسبة إلى تشكيل الحكومة وتوزيع الحصص على المشاركين فيها. وهذا التفاهم كشفته بعد عدّة ايام حملة «حزب الله» التي تركزت على الرئيس الحريري وحملته وحده مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، لأنه رفض اقتراحات الوزير باسيل ومنها الاقتراح المتعلق برفع عدد اعضاء الحكومة إلى 32 وزيراً لكي يضمن بذلك الثلث المعطل من جهة، ويرضي «حزب الله» بتوزير نائب علوي إضافة الى أحد النواب السُنَّة الستة أو من يمثلهم شخصياً، مع ما يعني ذلك من اختلال في التوازن الطائفي والمذهبي.
وأمام هذا الوضع، وجد الرئيس المكلف ان الحزب والتيار يريدان حشره في الزاوية، ووضعه بين خيارين لا ثالث لهما، فإما القبول باقتراح الوزير باسيل الذي يرمي إلى إدخال النظام السوري في الحكومة، واما الاعتذار عن التكليف خصوصا وان اقتراحات الوزير باسيل تحظى بمباركة رئيس الجمهورية وفق ما نقل إلى الرئيس الحريري في وقت لاحق.
ووفقاً للمعلومات المتوافرة لدى أكثر من مصدر يتابع حركة الاتصالات التي بدأت غداة حلول العام الجديد، فإن الرئيس المكلف أبلغ من يعنيهم الأمر انه متمسك بموقفه الذي اتفق عليه مع رئيس الجمهورية قبل ان يُطلق حزب الله «ارنبه» الذي يُسمّى «اللقاء التشاوري»، ومتمسك أيضاً بحقه الدستوري في اختيار الوزراء الذين يعاونونه بالحكم بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وليس واردا عنده في أي حال من الأحوال التراجع عن هذا الأمر والتفكير بالاعتذار عن المهمة التي اوكلها إليه المجلس النيابي.
وتقول المعلومات التي أجمعت عليها هذه المصادر، ان امراً آخر دخل على خط التأليف، وهو إصرار حزب الله على دعوة الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة في القمة الاقتصادية التي ستنعقد في العشرين من الشهر الجاري بصرف النظر عن قرار جامعة الدول العربية، مما يدل على ان الحملة التي شنّها الحزب على الرئيس المكلف موحى بها من النظام السوري كدليل على دخوله بقوة على خط تأليف الحكومة في لبنان وايكاله هذه المهمة إلى «حزب الله» الذي لا يزال يملك القدرة على تعطيل تشكيل الحكومة، سواء بمفرده أو بالتعاون، كما هو حاصل مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي وبالسر مع التيار الوطني الحر الذي له موقف مشابه من موضوع دعوة بشارة الأسد للمشاركة في القمة الاقتصادية التي ستعقد في بيروت.
وترى المصادر نفسها ان هذه الأسباب مجتمعة سدت كل الطرق امام أية اتصالات تتعلق بتشكيل الحكومة العتيدة، وانعكس هذا الأمر على الرئيس المكلف الذي اوقف حركته المتعلقة بتشكيل الحكومة، وركز على اقتراح رئيس مجلس النواب الرامي إلى دعوة الحكومة المستقيلة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء من أجل إقرار مشروع قانون الموازنة العمومية استناداً إلى سابقة حصلت في العام 1969 أيام حكومة الرئيس رشيد كرامي، وحرص الرئيس الحريري على ان يترك الباب مفتوحاً امام هذا الاقتراح وفق ما أعلنه البيان الذي صدر عن كتلة نواب «المستقبل» في اجتماعهما يوم الثلاثاء الماضي، وفي حال تمّ التوافق على دعوة الحكومة المستقيلة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، فإن هذه السابقة ستعيد مسألة تفعيل عمل الحكومة بمثابة تعويض عن التعثر في الوصول إلى اتفاق بين الأطراف على تشكيل حكومة جديدة تعيد بعضاً من الأمل إلى نفوس اللبنانيين الذين باتوا ينتظرون سقوط الدولة في أي وقت.