كتب عيسى يحيى في “الجمهورية”:
فعلت العاصفة الثلجيّة «نورما» فعلها وجاءت مطابقةً للمواصفات وفق كمية الثلوج التي هطلت مكلِّلة قرى وبلدات البقاع من زحلة حتى الهرمل، ووصلت سماكتُها إلى ما فوق المتر في بعض الأعالي، لترتديَ معها الجبالُ ثوبها الأبيض الذي غاب عنها أربع سنوات، فيما عزلت كذلك بعض القرى والبلدات عن محيطها. في حين ينتظر لبنان قدوم العاصفة «ترايسي» الأحد المقبل.
بدأت «نورما» بالإنحسار التدريجي منذ صباح الأمس، بعد أن شلّت الحركة التجارية في مدينة بعلبك ومحيطها، وتقطعت أوصالُ القرى والبلدات التي يزيد إرتفاعُها عن 1200 متر، وإلتزم الأهالي منازلهم التي عزلتها الثلوج، حيث بدأت الجرافات والأليات التابعة لبلدات المنطقة ووزارة الأشغال بالتحرك صباحاً للعمل على فتح الطرقات ومداخل المنازل والأحياء، حيث وصلت سماكة الثلوج داخل المدينة إلى 25 سنتم، في حين عزلت قرى وبلدات عيناتا، حام، معربون، دير الأحمر، اليمونة عن محيطها.
وتسبّبت العاصفة بقطع الكهرباء عن منطقة بعلبك وجوارها بالكامل بسبب عطل في الأسلاك عجزت معه الفرق المعنية عن إصلاح الأعطال، كذلك إقتلعت العديد من الأشجار، وتسبّبت بأضرار في الخيَم البلاستيكية الزراعية.
وكانت البلديات في منطقة بعلبك- الهرمل قد إتّخذت سلسلة من الإجراءات لمواجهة العاصفة، وقامت بلدية بعلبك بإنشاء لجنة طوارئ ولجنة تنسيق بالتعاون مع الهيئة الصحية الإسلامية والدفاع المدني والصليب الأحمر وتمّ وضع أرقام هواتف ساخنة بتصرف المواطنين، كذلك تمّ تحضير لائحة بأسماء الجرافات وأرقام هواتفهم والإتفاق على أن يبقوا غبّ الطلب.
وكانت قامت جرافات تابعة للبلديات في البقاع في فترة ما قبل الظهر بفتح عدد من الطرقات، في حين تواجه جرافات وزارة الأشغال وبلدية معربون صعوبةً في فتح الطريق التي تصل بين بلدتي حام ومعربون ببعلبك بسبب سماكة الثلوج التي وصلت إلى حدود المتر.
وفي منطقة الهرمل التي شهدت ليلاً عاصفاً، تشكلت السيول المحمَّلة بالوحول على طريق عام الهرمل المحطة ما أعاق حركة السير، كذلك تسبّبت العاصفة بأضرار فادحة في البيوت البلاستيكية والمزروعات وشبكات الريّ والأشجار، وسُجّل ارتفاع ملحوظ في منسوب نهر العاصي الذي اجتاحت مياهه مزارع تربية الأسماك والمقاهي المنتشرة على طول المجرى من محلة راس العاصي وحتى الشواغير.
وفي الجرود، تساقطت الثلوج بكثافة فعزلت معها بعض القرى، وقطعت طريق عام الهرمل سير الضنية والشربين مرجحين عكار وطريق الشربين فيسان باتجاه القبيات، وعملت فرق تابعة لبلديات المنطقة على فتح بعض الطرق.
من جهته، تابع قائمقام الهرمل طلال قطايا الوضع وتفقّد برفقة رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر المناطق التى تعرضت للأضرار، في الوقت الذي سيّرت قوى الأمن الداخلي دوريات.
وكانت فرق الإسعاف التابعة للصليب الأحمر والدفاع المدني والهيئة الصحية الإسلامية في جهوزية تامة لمواجهة أيّ طارئ.
وفي بلدة القاع إجتاحت السيول شوارع البلدة واقتلعت أعمدة إنارة وتسبّبت بأضرار فادحة في مخيمات النازحين المنتشرة في مشاريع القاع.
وقامت مساءً فرقٌ تابعة لفريق الكوارث في الصليب الاحمر اللبناني وفي ظلّ ظروف مناخية صعبة، بالاستعانة بآليات وجرافة بعمل استباقي بفتح أقنية مياه عند مدخل البلدة لمنع المياه من الدخول إلى مخيمات النازحين وشوارع القاع والطريق الدولي، وقدّم الصليب الأحمر المساعدة للمتضرّرين من النازحين.
وفي البقاع الأوسط وزحلة أدّت كثافة الثلوج المتساقطة إلى إقفال معظم الطرق الجبلية، لا سيما طريقي ضهر البيدر وترشيش – زحلة، واتّخذ كل من محافظي جبل لبنان والبقاع القاضيَين محمد مكاوي وكمال ابو جودة قراراً بإقفالهما منذ بعد ظهر أمس الثلثاء حفاظاً على سلامة المواطنين، وما زالت مقفلة حتى الساعة.
كما غطت الثلوج قرى وبلدات السلسلتين الشرقية والغربية التي يبلغ ارتفاعها 800 متر وما فوق، وأصبحت السهول الزراعية كناية عن برك تجمعت فيها المياه، وفاض منسوب نهر الليطاني، وأصبحت نقطة جسر تل عمارة مصفاة للنفايات والمستوعبات البلاستيكية.
كما اجتاحت المياه معظم مخيمات النازحين السوريين في البقاع الأوسط، حيث جرى نقل العديد من المتضررين إلى أماكن آمنة، وتم تخصيص مأوى لهم في البلدات المجاورة، أما حركة السير على الطرق فهي أقل من طبيعية، كما هو حال السوق التجاري في زحلة والفرزل باستثناء الأفران ومحال السمانة والسوبرماركت.
أما حال النازحين فلا يزال الأسوأ حيث غطت الثلوج خيمهم المنتشرة على أطراف الطرقات في تل الأبيض ويونين واللبوة وغيرها من المناطق البقاعية ووصلت الى المخيمات التي تضرّر عدد من الخيم فيها وسقطت فوق رؤوس قاطنيها، وكان أهالي عرسال قد شكّلوا لجنة طوارئ لمساعدة من تضرّرت خيمهم وتشييد غيرها بإنتظار إنتهاء البلدية من فتح الطرقات. مياه إلى داخلها، وعملت فرق الصليب الأحمر على تقديم المساعدات لهم من طبابة ومواد غذائية، وفي عرسال التي وصلت سماكة الثلوج فيها إلى أكثر من متر ونصف فلا تزال أخبار النازحين السوريين مقطوعة بإنتظار إنتهاء جرافات البلدية من فتح الطرقات.
المناطق
على وقع مناشدات المواطنين، تفقّد وزير الاشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الاعمال يوسف فنيانوس انهيارات الاتربة وجدران الدعم عند المسلك الغربي للاوتوستراد الرئيسي في منطقة حامات البترون، واعطى توجيهاته لورش الصيانة والمتعهد لرفع الاتربة وازالة جدران الدعم التي انهارت.
وعملت الجرافات في اهدن على فتح الطرقات الرئيسية، فيما أعاق عملها معظم الاحيان تعثر السيارات غير المجهزة في مثل هذه الظروف المناخية.
واستفاق صيادو الأسماك في مرفأ العبدة في عكّار على كوارث وأضرار كبيرة لحقت بمراكبهم وشباكهم، حيث سمح لهم هدوء العاصفة «نورما» بتفقد الأضرار. وقال أحد الصيادين، خالد محمود طالب: «انّ خسائرهم كبيرة، وعند كل عاصفة تتجدّد الخسائر ولا أحد يعوّض عليهم رغم كل المناشدات التي يطلقونها إلى المعنيين».
أما مروان طالب، الذي تضرّر مركبه بشكل كبير، فقال لـ«الجمهورية»: «أي ضرر يلحق بمراكبنا يعني التوقف عن العمل حتى إصلاحها، رغم ضعف الإمكانيات المادية لذلك. فنحن نعمل كل يوم بيومه حتى نعيش نحن وعائلاتنا».
والجدير ذكره، أنّ السنسول البحري في مرفأ العبدة قد تضرّر من شدة العاصفة وتدحرجت صخوره، بعد أن كانت مرتصفة لترد الامواج العاتية. أما الصيادون فيطالبون المعنيين، والهيئة العليا للإغاثة وغيرها «زيارة المرفأ وتقصّي الأضرار والتعويض عليهم في أسرع وقت».
وغطت الثلوج منطقة البترون الجردية، وبقيت الطرق سالكة فقط للسيارات المجهزة بسلاسل معدنية، ابتداء من بلدة دوما، حيث بلغت سماكة الثلوج 10 سنتم، صعوداً الى وطى حوب حيث بلغت سماكتها 26 سنتم، وفي تنورين الفوقا 60 سنتم، وأُقفلت كل الطرق الرئيسية فيما عملت بلدية تنورين على فتحها.
كذلك أقفلت الثلوج الطريق باتجاه اللقلوق وحدث الجبة، وتجاوزت سماكتها الـ5 أمتار في جرد تنورين.
وفُتحت طريق عراي- جزين، بعدما عملت «الهيئة العليا للاغاثة» بالتعاون مع وزارة الاشغال واتحاد بلديات جزين على ازالة الصخور والأتربة عن الطريق. ويُفضّل سلوك طريق وادي جزين – عراي نظراً إلى خطورة طريق جزين – عراي.
وتعرّضت الطريق العام التي تربط مدينتي صور وصيدا عند منطقة القاسمية – برج رحال، للتفسخ والانهيار جرّاء العاصفة وباتت تشكّل خطورة على حركة مرور السيارات باتجاه مدينة صور.
«ترايسي»
الى ذلك، وبعدما إستراحت العاصفة «نورما» أكد رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة – رياق الدكتور ميشال افرام، انّ «الاستراحة المناخية لن تدوم طويلاً، فالمنخفض «ترايسي» وفق تسمية مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية يتجه الى لبنان ويصل يوم الاحد المقبل، وسيتبعه منخفض آخر آتٍ من اوروبا الوسطى ويندمجان معاً ويحملان الى لبنان امطاراً غزيرة، انما قد لا تكون غزيرة قياساً الى المنخفض «غطاس».
وستحمل «ترايسي» الثلوج على الجبال». ونبّه افرام من الرياح القوية وخصوصاً في بيروت.