كتب رنى سعرتي في صحيفة “الجمهورية”:
أعلن وزير المال علي حسن خليل من دون سابق إنذار، عن خطة تعدّها وزارته لإعادة هيكلة الدين العام، في سابقة تحصل للمرّة الأولى في تاريخ لبنان.
كشف خليل أمس، عن أنّ «الوزارة تعدّ خطة للتصحيح المالي تتضمّن إعادة هيكلة للدين العام»، وأصرّ على أنه لم يُفصح عن الخطة لأيّ طرف.
لكنّ المفارقة أنّ تقرير «غولدمان ساكس» الصادر قبل أيام، والذي طرح «السيناريو» التهويلي لإعادة هيكلة ديون لبنان، يؤكد أنّ وزير المال على عكس ما يقول، سبق أن ناقش هذه الخطة مع بنك الاستثمار الاميركي، ما دفع الاخير لرسم سيناريو إعادة هيكلة الديون عبر اقتطاع 65 في المئة من قيمة السندات السيادية الدولارية، وترجيحه أن يؤدي ذلك الى إفلاس المصارف.
وبما انّ وزير المال يقرّ بأنّ «هذا الأمر يحتاج إلى قرارات في مجلس الوزراء، إشراك الكتل النيابية، ومصرف لبنان، المصارف… وغيرهم ممّن هم معنيّون بالحلول التي سنقترحها لتجنيب لبنان التطورات الدراماتيكية»، لماذا قرّر أن يعلن عنها اليوم قبل أوانها، وقبل مناقشتها مع المعنيّين؟ وفي ظلّ الوضع الاقتصادي والمالي والسياسي الهش؟ هل يندرج هذا الإعلان في إطار ممارسة الضغوط السياسية؟
في التفاصيل، أعلن خليل في تصريح لـ«رويترز» امس، أنّ وزارة المالية تعكف على خطة لإصلاح المالية العامة وتدرس أفكاراً لإدارة الدين العام وهيكلته. موضحاً أنها «خطة تصحيح مالي طوعي قيد الإعداد في الوزارة تجنّباً لحدوث الأسوأ».
وقال: هذا جزء من مشروع إصلاحي للمالية العامة يبدأ من إجراءات «سيدر» ويستهدف إعادة التوازن للمالية.
واكد خليل انّ «لبنان حريص على التزاماته في إصدارات السندات الدولية وحقوق حامليها وسيستكمل عمليات الإصدار وفق الالتزامات والمعايير نفسها ولن يتخلّف عن أيِّ بند فيها».
وفي تصريح له من بيت الوسط، استغرب وزير المالية الضجة المثارة حول كلامه عن إعادة جدولة الدين العام، «هي ليست المرة الأولى التي تقوم بها وزارة المال بهذا الامر وهذا جزء من سياستنا وانا لم افصح عن هذه الإجراءات، إنما أقول إنّ لبنان حريصٌ على التزاماته بإصدارات اليوروبوند وحقوق حامليها وسيستكملها وفق الالتزامات عينها».
تراجع اليوروبوند
وكان تصريح خليل أمس، قد أثار موجة بيع في أدوات الدين اللبنانية المقومة بالدولار، حيث انخفضت سندات اليوروبوند أكثر من نقطتين ليجري تداولها عند أدنى مستوياتها في عدة أسابيع.
قرم
وفيما استشهد خليل بعهد الرئيس سليم الحصّ الذي تمّ خلاله وضع خطة لإعادة هيكلة الدين العام، أوضح وزير المال السابق جورج قرم، لـ«الجمهورية» أنه «في خلال تولّيه حقيبة المالية في عهد الحص، قام بخفض الفوائد على السندات اللبناينة من 22 في المئة الى 14 في المئة، ولكن بالتشاور مع جمعية المصارف والاتّفاق معها».
واعتبر أنه «لا يمكن لوزير المال اليوم التفرّد بقرار إعادة هيكلة الدين العام وخلق بلبلة عامة من خلال الإعلان عن هذا الموضوع».
واعتبر أنّ «هذا الموضوع يحتاج الى قرارات من مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، ولا يمكن أن يتمّ من دون التشاور مع جمعية المصارف والمعنيّين كافة بالدين العام».
وأشار الى أنّ السياسة التي اتّبعها في عهده، من خلال خفض الفوائد على السندات، لا يمكن لسوء الحظ تطبيقُها اليوم لأنّ الفوائد على الودائع بالليرة مرتفعة بشكل خيالي.
سرّوع
في هذا الاطار، اعتبر الخبير الاقتصادي د. جو سرّوع انّ إعادة هيكلة الدين العام جزءٌ أساسي من أيّ إدارة فعّالة لهذا الدين، ومن الممكن أن تحصل بهدف التخفيف من خدمة الدين بواسطة:
– اعادة هيكلة آجال السندات خصوصاً تلك القريبة الاستحقاق.
– الدفع المبكر للسندات وإعادة تمويلها بكلفة أقلّ.
– التخفيف من حجم الدين عبر الوفر في الميزان الأولي ضمن الموازنة.
وشدّد على أنّ أيّ «إعادة هيكلة للدين يجب أن تراعي عقود الدين من جهة وأن تكون طوعية، على أن يعتمد نجاح العملية بالدرجة الاولى على تحسّن التصنيف الائتماني للبنان».
وقال سرّوع لـ«الجمهورية» إنّ عملية كهذه، تستوجب بالتالي، وضع متطلبات سابقة وشروط محدّدة، ولا يمكن ان تأتي من فراغ، خصوصاً أنّ إدارة الدين العام في لبنان لم تكن يوماً فعّالة ومدروسة بل إنها أتت دائمة كردّ فعل على التطورات.
وأشار الى أنه «في ظلّ القلق السياسي القائم وتنامي المخاوف حول الوضع الاقتصادي والمالي، وغياب الإصلاحات وانسداد الأفق، وانعدام المصداقية، لا يمكن طرحُ موضوع اعادة هيكلة الدين العام».
وسأل: وفق أيّ ظروف سنقوم بهذه العملية وبناءً على أيِّ مقوّمات؟ أين مصداقيتنا اليوم، ونحن فشلنا في تطبيق الاصلاحات وحصر النفقات وتشكيل الحكومة؟ خصوصا أنّ لبنان يملك سجلّاً حافلاً في التخلّف عن الوعود.
وقال سرّوع إنّ أيّ عملية «قصّ شعر» haircut، أي اقتطاع نسبة من قيمة السندات، هي آخر الحلول في لبنان، وتتمّ بالتوافق، لافتاً الى أنّ «آخر عملية تمّت في اليونان، بعد اتفاق عليها مع البنك الدولي، وبعد تطبيق إصلاحات وتفعيل الأداء الاقتصادي وتوفير امكانيات للنموّ».
في المقابل، يطرح لبنان عملية إعادة الهيكلة في وضعٍ مزرٍ على كافة الصعد وفي ظلّ انعدام المصداقية، ليزيد الوضع سوءاً ويعمّق المخاوف والقلق. واعتبر سرّوع أنه «إذا كان الغرض من إعلان وزير المال، خلق صدمة ايجابية، فإنه بالعكس خلق صدمة سلبية في السوق لا يمكن إعادة تصحيحها».
ورأى سرّوع أنّ «النقطة الإيجابية الوحيدة في اعلان وزير المال أنه ذكر أنّ اعادة الهيكلة ستكون طوعية»، رغم أنه عاد وقال إنّ الأعباء ستتوزع بشكل عادل. في وقت سأل مستغرباً: «في هذه الظروف، مَن سيقبل طوعاً بإعادة الهيكلة؟ خصوصاً أنّ الجزء الأكبر من الدين تحمله المصارف؟».