كتب فراس الشوفي في صحيفة “الاخبار”:
وزّعت مجموعة من الشباب في قرى الشوف كتاباً مسيئاً للموحدين الدروز ولعلاقاتهم مع الطوائف الأخرى. العمل الذي وصفه أبناء الطائفة بـ«الفتنوي» لا ينمّ عن جهد فردي. وبالتوازي، تدفع مواقف وليد جنبلاط بالانحياز ضد سوريا، المرجعيات الدينية للبحث عن مصالح طائفتهم في ظل التحولات الإقليمية، بخلاف الرغبة الجنبلاطية
كالعادة، تنعكس التطوّرات الإقليمية والمحليّة على طائفة الموحّدين الدروز في لبنان بشكل لافت. وإن كانت الأضواء قد خفتت عن محافظة السويداء في الجنوب السوري بعد قضاء الجيش السوري على تنظيم «داعش» الإرهابي في باديتها الشرقية، واستعادة الدولة السورية الاستقرار في أكبر تجمّع للدروز في المشرق، فإن الخلافات الدرزية ــــ الدرزية في لبنان، وبعض الحوادث «المريبة»، تعيد تسليط الأضواء على أحوال الدروز اللبنانيين، ولا سيّما في ظلّ الانقسام الحاد في الخطاب بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وأخصامه من الدروز كالنائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب.
وفي ظلّ هذه الحركة السياسية، التي استعرت بعد محاولة قوى الأمن الداخلي، بقرار من الرئيس سعد الحريري وتحريض من جنبلاط، اعتقال وهاب من بيته في الجاهلية، وما تلاه من تطوّرات، استفاق أهالي الشوف قبل نحو أسبوعين على حركة غريبة في القرى. إذ قامت مجموعة من الشّبان بتوزيع كتاب بالخفاء على البيوت والمحالّ في قرى الشوف، حصلت «الأخبار» على نسخة منه، يحمل على غلافه صورةً لشخص على مفترق طرق ويقف أسد في نهاية أحد الطريقين، بعنوان «أيها الدرزي، عودة إلى عرينك»!
بعد شيوع الخبر، تحركت القوى الأمنية على الفور بطلب من المراجع الدينية الدرزية، واعتقلت هذه القوى عدداً من الشّبان، وبدأت التحقيقات. وبحسب اعترافات الموقوفين، فإن هؤلاء تولّوا القيام بمهمة التوزيع نيابة عن وسيطين، هما اللبنانيان «ش. م.» و «ر. ح.»، والأخير هو طابع الكتاب وناشره.
في القراءة الأولى، لم يأت الكتاب بأي جديد، سوى إعادة نشر مقتطفات من كتب مسيئة ومكفّرة لطائفة الموحدين الدروز من تأليف رجال دين سعوديين ومصريين، والإساءة إلى رموز الدروز الدينية والشخصيات التاريخية، ومزجها بمقتطفات محرّفة من كتب الدروز، للإشارة إلى أن الموحدين ليسوا من المسلمين، و«بث النعرات المذهبية» مع الطوائف الأخرى.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن عدد النسخ التي تم طبعها بلغ حوالى 7000 آلاف نسخة، تمّت مصادرة أغلبها من قبل فرع المعلومات وتسليمها إلى شيخ العقل نعيم حسن، وقامت مشيخة العقل بحرق ما يزيد على 3500 كتاب حتى الآن.
وفيما تم اعتقال المتهم الأول «ش. م.» بتهمة إثارة النعرات الطائفية بعد اعترافه بأن الهدف من النشر هو «إعادة الدروز إلى الإسلام» وعثر بحوزته على وثائق لتحويلات مالية صغيرة حصل عليها من أفراد في دول خليجية، لا يزال المشتبه فيه الثاني متوارياً عن الأنظار، وتعمل الشرطة القضائية التي تولّت التحقيق على ملاحقته. وعلى ما علمت «الأخبار»، فإنه يختبئ في بيروت بحماية أحد أئمة المساجد «س. م.»، والأخير كان درزياً من أصول سورية وعاش في منطقة المتن الأعلى ثم تحوّل إلى المذهب السّني، بعدما أمضى سنوات في الكويت.
ومما لا شكّ فيه، أن حركة توزيع الكتاب وعدد النسخ المصادرة أثارا القلق في الوسط الديني والسياسي الدرزي، من دون الوصول، حتى الآن، إلى الجهة التي تقف خلف ما جرى. وحاولت «الأخبار» الاتصال بأكثر من جهة معنيّة بهذا الملفّ، إلّا أن الغالبية فضّلت عدم التعليق على الأمر، فيما اكتفى آخرون بالتعليق لكن شريطة عدم ذكر المصدر. وتسجّل المصادر مجموعة من الملاحظات حول الحادثة، أولاها أن «حجم العمل لا يمكن أن تقف وراءه مجموعة من الأفراد، إنّما جهة أو جهاز استخباري أو دولة، ما يعني احتمال حصول حوادث أخرى تهدف إلى خلق بيئة من التوتّر في الساحة الدرزية. ثانيتها، هو العمل المستمر الذي تقوم به إسرائيل على الساحة الدرزية، في لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، لخلق بيئة متوترة ترى في الدولة اليهودية صديقاً حامياً للأقلية من أخطار محدقة، بعدما فشل مشروع «داعش» في دفع الدروز السوريين إلى هذا الخيار، من السويداء إلى جبل الشيخ».
سجال حول مشيخة العقل
وبالتوازي مع حادثة توزيع الكتاب، فجأة، اندلع سجالٌ بين جنبلاط ووهاب وأرسلان الأسبوع الماضي حول أزمة وجود مشيختي عقل في الطائفة، الشيخ حسن من جهة والشيخ ناصر الدين الغريب من جهة ثانية. وبعد البحث، تبيّن لـ«الأخبار» أن السبب هو بيان صادر عن المرجع الروحي الشيخ أمين الصايغ، يطالب فيه بـ«إعادة مشيخة العقل إلى أهلها». بيان الصايغ، حمّال أوجه، إلّا أن ما يحكى عن خلافات بين المرجعية الدينية والشيخ نعيم حسن ومن خلفه جنبلاط، يقطع الشكّ بأن البيان موجّه ضد جنبلاط مع اقتراب موعد بلوغ حسن سنّ التقاعد. وردّ جنبلاط بتغريدة انتقد فيها البيان من دون أن يسمّيه، مشيراً إلى أن «ظرفاً تاريخياً سمح بالخلاص من ثنائية المشيختين… وإذا كانت رياح الفتنة والتعطيل تهبّ من الشرق، نأمل من المرجعيات حماية هذا الإنجاز». وفيما يتكتم المعنيون على الأسباب الحقيقية للخلاف، إلا أن ما يدور في أوساط الحزب التقدمي الاشتراكي، هو اتهامات للشيخ أكرم الصايغ شقيق المرجع الروحي، بالتواصل مع سوريا، في محاولة للتمايز عن مواقف جنبلاط الذي يحاول فرض العداء مع سوريا على كل أبناء طائفته في لبنان، على الرغم من التحولات الإقليمية. وهو بالمناسبة ليس موقف الصايغ فحسب، إذ إن مسألة إعادة التواصل مع الدولة السورية باتت أمراً تنشغل فيه أوساط المشايخ، مع انتقاد موقف جنبلاط الذي «يتمسّك بمواقف خاصة على حساب مصلحة الطائفة بنظر هؤلاء».
وزاد الطين بلّة، ما يحكى عن طلب السفير السعودي وليد البخاري طلب موعد لزيارة الصايغ، إلّا أن الزيارة لم تتم، وبدل ذلك قام البخاري برفقة السفير الإماراتي حمد الشامسي بزيارة الشيخ علي زين الدين، بحضور جنبلاط وعدد من نواب الاشتراكي.
لم يبقَ أرسلان ووهاب بعيدين عن المشهد، إذ غرّد أرسلان معتبراً أنه «حقاً من رداءة الزمن أن يتم الردّ على مرجعية درزية روحية عبر وسائل الإعلام، كفى مهزلة ولعباً بمقدّرات الدروز…». فيما غرّد وهاب متوجّهاً إلى جنبلاط بالقول: «شيخ الأمر الواقع (حسن) سيبقى لفريق واحد، وهذا ما أثبتته ممارساته، لذا نقول لك شيخك ولنا شيخنا، وأشد الفتن هي محاولة الهيمنة على كل شيء».
وفيما يعترض أرسلان ووهاب على تماهي حسن مع جنبلاط في غالبية المواقف السياسية والداخلية، ولا سيّما بعدما أوفد حسن بأمر من جنبلاط مجموعة من القضاة إلى سفارات الدول الكبرى لتحريضها على تدخّل دولي في سوريا تحت عنوان «حماية الدروز»، تتجه الأنظار يوم الأحد إلى بلدة الجاهلية، حيث يقيم حزب التوحيد العربي ذكرى أربعين الشهيد محمد أبو ذياب، وسيلقي كل من أرسلان ووهاب كلمتين بالمناسبة، في أول زيارة لأرسلان إلى الجاهلية منذ مدّة طويلة. ومن المتوقّع أن يرفع الثنائي سقف المواقف السياسية لناحية رفض استئثار جنبلاط بمؤسسات الطائفة الدرزية والعلاقة مع سوريا.