كتبت راكيل عتيق في صحيفة “الجمهورية”:
رئيس مجلس النواب نبيه بري «قادرٌ على حلّ كلّ المشكلات مهما بلغت تعقيداتُها». هذا ما لمسه رئيس مجلس النواب البلجيكي سيغفريد براك، خلال زيارته لبنان في تشرين الثاني الفائت، لافتاً إلى أنّ «المشكلة المركّبة مررنا بها في تأليف حكومتنا وإستغرقت سنةً ونصفَ السنة». لكن يبدو أنّ لبنان سينافس بلجيكا على مدة التأليف، وأنّ «العُقد المُركّبة» إستعصت على بري الذي استُنتِج من اقتراحه إنعقاد مجلس الوزراء لإقرار الموازنة العامة للدولة، أنّ التأليف «مطوَّل»، قبل أن يُعلنها: «الحكومة في خبر كانَ، لا بل أصبحت فعلاً ماضياً ناقصاً».
مَن يُمكنه تسهيل ولادة الحكومة، هو «حزب الله» ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، يقول متابعون. أمّا رئيس الحكومة المُكلف سعد الحريري فلن يرأس الحكومة مُستضعَفاً، حصته خارج التسويات والمبادرات، وهو ينتظر اتفاق «حزب الله» – باسيل على المقعد الوزاري «المُعرقل» الذي يتنازعان عليه، أو «انتهاء تواطُئهما».
وتؤكّد مصادر تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية»، أنّ «رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إذا أراد إهداء وزير من حصته لـ»حزب الله» فهذا شأنه، أما الاقتراحات التي تمسّ حصة الحريري وعودة الضغط عليه، فهي «مبادرات» لن تفيد أو تؤدي إلى التأليف».
وترى هذه المصادر أنّ «حزب الله يريد استثمارَ ما يعتقد أنه انتصارٌ إقليميّ، في الحكومة، لكنّ هذا الأمر بعيد المنال في حكومة برئاسة الحريري. وإذا كان الحزب وحلفاؤه مُتمسكون بالحريري رئيساً للحكومة فعليهم أن يدخلوا في تسوية وطنية، وإلّا فليُعلن جميع مَن سمّوا الحريري لتأليف الحكومة، رجوعهم عن تكليفه، وحينها لا مانعَ لديه من الإعتذار عن التأليف».
وفي حين ترى جهات معارضة للحريري أنه من مُنطلق موقعيه الوطني و»السنّي» يتوجّب عليه التنازل وزارياً، تؤكّد مصادر «المستقبل» أنّ «أقصى ما يُمكن الحريري أن يُقدّمه، سبق أن أبدى الاستعداد للسير فيه. قدّم «أقصى التضحيات»، ووافق على توزير أحد النواب الستة السنة، أعضاء «اللقاء التشاوري»، بشرط أن تكون الشخصية غير استفزازية ومن حصة عون».
الحلّ الذي «يمشي» الحريري به هو المطلب الأساس للنواب الستة، الذين أعادوا تأكيد مطلبهم أمس بتوزير أحدهم، وأنّ أيّ نائب من الستة يُمثلهم جميعهم. فلماذا لا يُعتمد هذا الحلّ، الذي يرضي طرفي «العقدة السنية»؟!
ترى مصادر متابعة للتأليف أنّ «باسيل الذي يمتلك القرار فعلاً، لا يقبل بهذا الطرح لأنّ خسارته المقعد الوزاري الـ11 وبالتالي «الثلث المُعطِّل» ستكون مؤكدة، فولاءُ كلّ شخصية من النواب الستة لـ«حزب الله»، وبالتالي ستلتزم قرار الحزب في مجلس الوزراء، ولن تؤيّد في أيّ حال قرار عون أو باسيل إذا تعارض مع إرادة الحزب».
وإذ تعتبر المصادر، أنّ غضّ النظر عن هذا الحلّ يفضح المدّعين أنّ العرقلة هي محضُ «سنية» وأنّ المطلوب فقط الإعتراف بتمثيل النواب الستة السنة وتمثُّلهم في الحكومة، تقول، إن «لا جديد على صعيد تأليف الحكومة، فالطريقة التي يتعاطى بها «حزب الله» تؤكّد أن لا رغبة في التأليف، بمعزل عن رغبات باسيل».
وتوضح أنّ العُقدة داخلية ـ خارجية، وأنّ هناك تواطؤاً مباشراً بين «حزب الله» وباسيل لتأخير ولادة حكومة شرعية، أو لنقل هناك تعارض مُبطّن في مَصالحهما يُؤخِّر التأليف.
وتُفصِّل المصادر أسباب الطرفين، كالآتي:
– «حزب الله» يريد تسييل «انتصار» محوره الإقليمي في اللحظة الراهنة أو انتظار اكتمال الصورة الإقليمية.
– باسيل يستفيد من الانتظار علّه يستطيع اقتناص ما يسعى إليه.
– «حزب الله» لا يريد منح باسيل الثلث الوزاري المُعطِّل.
– باسيل «يحور ويدور» للحصول على «الثلث المُعطِّل».
– «حزب الله» لا يريد إعطاء باسيل «وعداً صادقاً» بخلافة عون رئاسياً.
– باسيل يريد وعداً رئاسياً صادقاً من الحزب.
– «حزب الله» لا يريد «كسر الجرة» مع عون ويحاول الملاءمة بين عدم «زعل» الرئيس وضمان أن يكون الوزير المُمثِّل للنواب الستة من حصة عون شكلاً وضمن حصة الحزب فعلاً.
– باسيل لا يريد «كسر الجرة» مع «الحزب» ويسعى لأن يكون مُمثل النواب الستة من حصته فعلاً وأن يكون تنازل عون عن مقعد وزاري شكلياً.
على الخط الخارجي للعبة، ترى المصادر أنّ «حزب الله» لا يقبل أن ينكسر معنوياً، وإن كان يعلم أنّ إيران على طريق التحجيم في سوريا، فالحزب لا يظهر أمام قاعدته أو أعدائه في صورة المنهزم، وسيظلّ يُشدّد على انتصار محوره وترجمته في الحكومة.
لكنّ هذا الانتصار غيرُ واقعي وبالتالي قد يطول انتظار جلاء الصورة الإقليمية وتأليف الحكومة، حسب المصادرالمتابعة نفسها. فالأمور تنحو صوب «انكسار إيران وهزيمتها إقليمياً»، ففي العراق عاد الأميركي ليقول: «أنا هنا».
كذلك، فإنّ التفاهم الحاصل على سوريا مثلَّث الأضلاع، يشمل إلى الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، إسرائيل. والواضح من التسوية حتى الآن، هو أنّ الثمن رأس إيران، فالأميركي لن يُسلِّم سوريا للروس «ببلاش». وسماح روسيا للطيران الإسرائيلي بتصيُّد المواقع الإيرانية في سوريا يعني أنّ التسوية تمّت على حساب طهران، و«المنتصر» (أي إيران) لا تُجبره روسيا على الابتعاد 100 كلم عن الحدود مع الجولان.