كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:
سالم أكبر إخوته عمراً (45 عاماً) وهو العازب الوحيد بين الأربعة، لكنّه على الرغم من حبّه لهم يختلق أسباباً غير منطقية لمشاكل بينهم وبين زوجاتهم، ويكرّر «ليش هني مزوجين وأنا لأ؟ هني بشو أحسن مني؟» ويبدو عليه الحسد والغيرة من كل ما يقومون به، من شراء منازل وسيارات، إلى الملابس والسفر والأصحاب. لماذا يغار سالم من إخوته؟ ما هي الغيرة؟ ما دوافعها؟ ما نتائجها وكيف نتعاطى مع المصاب بها؟
الغيرة من المشاعر المكتسبة التي قد تكون بنّاءة وتهدف إلى تقدّم مَن يشعر بها، كما هو الحال في مجال النموّ والتطور، فيغار أحدهم ممّن يحسن مستواه العلمي ويحذو حذوه، مع المحافظة على الإيجابية في التعاطي بين الطرفين.
كما قد تكون الغيرة مدمّرة فيشعر الشخص بالغضب والثورة والكره والحسد تجاه الآخر، فيقوم بأمور تؤذيه ويحيك له المكائد، يتناوله بالسوء ويشوّه سمعته، بالإضافة إلى ردود الفعل السلوكية الواضحة في حضوره، فيرتجف ويتغيّر لون وجهه ويتكلّم بلؤم وقد يصل به الأمر إلى مغادرة المكان.
كما تسود الغيرة بين الأحباب والأزواج بشكل متوازن فتلعب دوراً جاذباً وإيجابياً، وتعكس المزيد من التقارب والودّ والحب. أمّا إذا كانت مَرَضية، تغمرها الشكوك وملاحقة الشريك وإزعاجه، فتقضي على العلاقة ليس فقط مع الشخص المحبوب بل المحيطين به والمقرّبين.
نواجه الغيرة في جميع المجتمعات والعلاقات، لكنّ الأهم في الموضوع هو القدرة على السيطرة عليها ولجمها كي لا تأكل الأخضر واليابس في حياتنا.
يشعر بالغيرة مَن يعاني من الدونية ومن النقص في الثقة بالنفس وبالقدرات الشخصية، كذلك مَن يطمع بالحصول على كل شيء حتى ما يمتلكه غيره، فيرتفع مستوى الإنفعال لديه، ويسود الصراع وردّات الفعل، ويصبح محطّ غيرته جلاداً وهدفاً للأذيّة والدمار، بصبّ عليه ناره ويختلق له أموراً غير حقيقية.
والمهم بمكان أنّ مَن يعاني من جموح الغيرة يصبح بحالة إنفعالية شديدة لا تمكّنه من رؤية الأمور بموضوعية وعلى حقيقتها.
كما قد يكون لمَن هو موضوع الغيرة دور في ذلك، كأن يستفزّ مَن يتفوّق عليه بالمركز أو السلطة أو في القدرة المالية ويتعاطى معه بطريقة فوقية، باحتقار ويقلّل مِن احترامه، فنضع ما يجري هنا في خانة الإحترام المتبادل والعدالة الإنسانية.
للغيرة غير البنّاءة والمؤذية أسباب كثيرة منها ضعف الثقة بالنفس، حصول الغير على ما نريده لأنفسنا، كما يغذي الميل للسلبية روح الغيرة الهدامة، فيشعر الفرد بالنقمة والحرمان رغم ما يمتلكه، ويتمنى القضاء على نجاحات الجميع، وهو لا يستطيع أن يعرف قيمة ما لديه بل يركّز فقط على ما ينقصه، كما نذكر بأنّ هذه الشخصية تتذمّر بشكل دائم، تتوقعّ الأسوأ، وتشعر بالإحباط وعدم الرضا بشكل عام.
كيف يتم التعاطي مع إنفعالات الغيرة؟
كي نتعامل بشكل سليم مع الشخص الذي يعاني من غيرة مزعجة تجاهنا لا بدّ بدايةً من الوعي للأمر والإبتعاد عن ردّات الفعل الغريزية وأذيّته بالمقابل، بل توجيه الكلام الجميل له والإيجابي ومديح يُفرح قلبه، فنكبح بذلك شدة غضبه وانفعاله، كما عدم اتّخاذ الأمور بشكل شخصي، فلست أنا المقصود بل ما أملك ويفتقده هو، ولا بأس بالحوار معه حول ما يجري وشكره على نصائحه أمام الآخرين، والطلب منه القيام بذلك على انفراد.
ما هي تأثيرات الغيرة المدمّرة؟
عندما تسيطر الغيرة السلبية على الأجواء يصبح مَن يعاني منها في حالة توتر وغضب، فيرمي الكلمات المؤذية ويقوم بتصرفات مزعجة وملفتة، فيُهين الآخر ويجرحه، ويُشعره بأنه لا يرغب بوجوده، ويحاول إظهار ذلك للجميع.
أما موضوع الغيرة فيشعر بالإضطهاد والظلم، ويعاند أحياناً محاولاً الدفاع عن نفسه ويسكت أحياناً أخرى، ونراه ضعيفاً متلقياً من دون ردود فعل؛ أما باقي الحضور فيعانون من جوٍّ مشحون، سلبي وغير مريح.
هل تغار من أحدهم؟
نمرّ جميعاً بمراحل نغار فيها على أو من أحد، والأهم هو مستوى هذه الغيرة وتأثيرها على حياتنا اليومية، وبالتالي بعض التوجيهات للسيطرة على الغيرة السلبية وربطها بواقعنا المعاش.
– الإعتراف بوجود مشاعر الغيرة
– لا بدّ من العمل على تعزيز الثقة بالنفس في بادئ الأمر
– مراجعة الذات لفهم سبب الغيرة
– السيطرة على الذات من خلال الموضوعية وعدم سيطرة الإنفعال والغضب
– القيام بتمارين الإسترخاء والتنفس
– اللجوء إلى المختصين للمساعدة في تخطي الأزمة
تحتل المشاعر والإنفعالات حيزاً لا بأس به من حياتنا، والخطر في ذلك يكمن في سيطرتها على المنطق لدينا، فننجرف خلفها وتقودنا إلى سلوكيات سيّئة ومزعجة وخطيرة على أنفسنا وعلى الغير، ما يدعونا إلى مراجعة الذات للتمكّن من السيطرة على ردود أفعالنا غير الواعية تفادياً لذلك.