كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:
سيكون الاتحاد العمالي العام الغائب الأكبر عن التحركات التي يشهدها لبنان بدءاً من اليوم. لكن رئيسه يجزم بأنه يدعمها كلها قلباً وقالباً. أما لماذا لم يشارك، فتلك قضية مرتبطة بصراعات خبرها لبنان طويلاً بين «من يدّعي تمثيل العمال» والعمال أنفسهم.
ما الذي يمنع الاتحاد العمالي العام من أن يكون في صلب التظاهرات المطلبية التي تنطلق اليوم وغداً، وتصل إلى ذروتها في العشرين من الشهر الجاري؟ وكيف يكون رئيس الاتحاد بشارة الأسمر «مع هذه التظاهرات قلباً وقالباً»، كما قال لـ«لأخبار»، ولا يكون جزءاً منها؟ بالنسبة إلى الأسمر، يبدو أن القصة شكلية، وهي تتعلق بعدم دعوته إلى المشاركة وعدم التنسيق معه. لكنه، مع ذلك، لا يتردد بتأكيد دعمه لأي تحرك شعبي أو عمالي، متمنياً لو وجهت إليه الدعوة.
يعرف الأسمر أن التباعد بين الاتحاد العمالي والحزب الشيوعي أو النقابات الشيوعية أكبر من أن يُردم بدعمٍ كلامي. وهو حكماً يدرك أنهم يتجنّبون التعاون معه لأنهم يرونه «ممثلاً للسلطة، لا للعمال».
لا يزال الاتحاد العمالي في مرحلة تقييم تجربة «إضراب المنازل» الذي نفّذه منذ عشرة أيام. كان الرسالة الأولى بالنسبة إلى الأسمر، وستليه تحركات قريبة يجري الإعداد لها، آملاً أن يصل قبل هذه التحركات إلى علاقة جيدة مع الحزب الشيوعي الذي «يشكل مع النقابات الشيوعية، تاريخياً، جزءاً أساسياً من أي تحرك».
بالنسبة إلى الشيوعيين، القضية أكبر من ذلك، ولا يمكن اختصارها بخلاف شكلي مع الاتحاد أو رئيسه. هو خلاف عمره سنوات، ويتعلّق باتهام هؤلاء لقيادة الاتحاد بالتواطؤ مع السلطة ضد العمال. لذلك، فإنهم لا يمكن أن ينزلوا إلى الشارع بخطاب الاتحاد العمالي العام، الذي يبدع في تجهيل الفاعلين، ويجاهر بأن تحركاته ليست سياسية، ولا هي موجهة ضد أحد من أطراف السلطة. تلك المطالب الفضفاضة لا تريح الشيوعيين ومجموعة كبيرة من الذين يتظاهرون اليوم. هؤلاء ينزلون إلى الشارع «من أجل إرجاع المال العام المنهوب إلى الخزينة العامة، وإلغاء خدمة الدَّين العام المقتطعة سنوياً من الموازنة لجيوب أصحاب المصارف والشركات المالية الكبرى، وفرض نظام ضريبي تصاعدي على الدخل والأرباح والريوع، ورفع السرية المصرفية عن الحسابات المالية للمسؤولين الذين تعاقبوا على السلطة ومحاكمة المرتكبين الفاسدين».
رئيس الاتحاد الوطني للنقابات كاسترو عبد الله، يُطلق على الاتحاد العمالي العام تسمية «اتحاد أحزاب السلطة»، ويتساءل ما الذي يمنعه من الدخول في صلب القضايا المطلبية للعمال؟ ما الذي يمنعه من أن يقود معركة حقيقية لتصحيح الأجور في القطاع الخاص، التي لم تصحح منذ عام ٢٠١٢ بدل الاكتفاء بالمطالبة عرضاً بهذا التصحيح؟ بالنسبة إلى عبدالله، الذي اتصل بالأسمر متضامناً معه بعد الدعوى التي رفعها عليه وزير الاقتصاد رائد خوري، ومستنكراً الاعتداء على الحريات النقابية، فإن التباعد الكبير لا ينتهي بالكلمات.
وبالرغم من أن الاتحادين التقيا على أكثر من قضية مطلبية، منها اعتصام عمال دباس واعتصام المستأجرين القدامى، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة ساطعة بالنسبة إلى الشيوعيين، عنوانها تغطية رئيس الاتحاد لعملية تفريخ النقابات الوهمية، التي لا مهمة لها سوى ضرب الحركة العمالية وضرب النقابات الفاعلة.
«الصراع مع هذه الطغمة الحاكمة صراع مرير، ولكن نحن مستمرون». ذلك كلام ليس لنقابي شيوعي، بل لبشارة الأسمر نفسه، الذي يرى أن «تلك السلطة الحاكمة التي اعتمدت على الاقتصاد الريعي منذ الأربعينيات دمّرت لبنان». يدرك الأسمر أن الخلاف مع الشيوعي قديم، لكنه يثق بأن الحوار الذي بدأ مع الحزب، على ما قال، كفيل بالوصول إلى قواسم مشتركة صارت ملحّة إذا ما أردنا تغيير الواقع. بالنسبة إليه، كل حركة منفردة لن تتمكن من التغيير، والمطلوب تضافر كل الجهود.