Site icon IMLebanon

عن اقتصادنا الواقف على تقرير أو تصريح! (بقلم رولا حداد)

لم يعد مفيداً لأي من المسؤولين أن يتصرّف كالنعامة تجاه أوضاعنا المالية والاقتصادية، ولا أن يحاول أحد تغطية “سماوات” القعر الذي وصلنا بـ”قبوات” الكلام المنمّق عن إجراءات يدرك اللبنانيون جميعاً استحالة أن تنفذها الطبقة السياسية الحاكمة اليوم بأكثريتها الساحقة.

ما من دلالة أبلغ على القعر الذي وصلنا إليه من أن يصبح وضعنا المالي كورقة خريف متساقطة، يعبث بها تقرير من هنا أو تصريح من هناك. ما من خطورة أكبر من أن ينال تصريح ما من وضع السندات السيادية لوطن بات يفتقر الى الحد الأدنى من عناصر السيادة الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية. ليس تفصيلاً أن نصل إلى هشاشة الى درجة أن تقريراً افتراضياً (ولو أنه يستند إلى أرقام وحقائق) يهزّ الأسواق المالية، ولا أن يثير تصريحاً ملتبساً لوزير المالية عن إعادة جدولة أو إعادة هيكلة لديون الدولة، قد نصل إليها إذا استمرينا في هذا الانحدار بسبب قلة مسؤولية الممسؤولين، زوبعة تتسبب في تراجع السندات الائتمانية للدولة بالدولار بـ3.7 سنت.

المشكلة بكل اختصار ليست في التقرير أو في التصريح الذي احتاج إلى تصريح توضيحي مضاد لوزير المال إلى “بلومبرغ”، بل المشكلة باتت في جوهر غياب الثقة بالوضع المالي للدولة اللبنانية، هذه الثقة التي باتت مهتزة ومهزوزة بفعل اهتراء الاقتصاد اللبناني وتراجع الإمكانات في مقابل زيادة غير مسبوقة في نسب الفساد على كل المستويات ما جعل وضعنا المالي أشبه بمريض مصاب بنزيف حاد، وعوضاً عن المسارعة الى إنقاذه عبر وقف النزيف، يتولّى المسؤولون عن حالته التراشق والتقاذف ومحاولة تقاسم ملابسه وما بقي منه!

هذا بالضبط ما يحصل اليوم بفعل الضغط الهائل على الليرة بسبب إصرار المسؤولين على أن يموّل مصرف لبنان والمصارف اللبنانية فساد الطبقة السياسية التي تتناتش مالية الدولة في زواريب زبائنيتهم السياسية، وامتناعهم عن البدء بإصلاحات جذرية تبدأ من وقف الفساد في كل القطاعات، وضبط كل أنواع التهرّب الجمركي والضريبي، والقيام بإصلاح الإدارة عبر وقف التوظيف نهائياً وإعادة هيكلة الإدارة وتصغير حجمها.

في المقابل، وعلى عكس المطلوب، لا خطط فعلية للمسؤولين غير فرض المزيد من الضرائب غير المباشرة على اللبنانيين، والتي تطال تحديداً الطبقات الفقيرة والمتوسطة بشكل غير عادل، وتفتقر لأي رؤية اقتصادية، لا بل على العكس فهي تؤدي عكس المطلوب منها إذ إنها تؤدي الى المزيد من الانكماش الاقتصادي والبطالة والتضخّم، كما تؤدي بشكل مباشر وواضح الى تراجع في مداخيل الدولة لا إلى زيادتها. يكفي للتأكيد على ذلك كيف أن الضرائب والرسوم الإضافية التي فُرضت لتمويل سلسلة الرتب والرواتب لم تؤدِّ المطلوب منها، فتراجعت مداخيل الخزينة عن المرحلة التي سبقت فرضها.

إن الاستمرار في سياسة اللامسؤولية التي تنتهجها أكثرية الطبقة الحاكمة سيؤدي حكماً إلى “خراب البصرة”، كما أن الاستمرار في تدمير الاقتصاد والمالية العامة إرضاء للنزوات والجشع السياسي والمالي للكثيرين لن يبقينا في القعر الذي وصلنا إليه بكل أسف طالما أن أكثرية المسؤولين يصرّون على المزيد من الحفر نزولاً في أنفاق لن ينجو منها أحد… فهل من يستفيق قبل فوات الأوان؟!