IMLebanon

“القوات” و”المستقبل”… محكومان بالتسوية مع الأسد؟

كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:

تكتّلت قوى 8 آذار، أخيراً، وراءَ مطلب دعوة سوريا الى المشاركة في القمة الاقتصادية العربية التي ستستضيفها بيروت، أو تأجيل انعقادها. الدعوة أبعد من مُشاركة في قمة، فليس لبنانُ صاحبَ الدعوة، بل جامعة الدول العربية، وبيروت لن تكون إلّا قاعة الاستضافة.

الدعوة نافذة لإعادة علاقاتٍ توتّرت مع النظام السوري، وباب لعودة الرئيس بشار الأسد إلى بيروت. والدعوة غير نابعة من رغبة «مُستحيلة»، بل هدف أصبح تحقيقُه مُمكناً. فالتسوية حول سوريا بدأت تنجلي، والدول العربية في طريق العودة إلى دمشق. وما على «لبنان» إلّا السير مع السائرين لقطف «انتصارٍ» سياسيّ أو رهانٍ استراتيجيّ، أو لاستغلال استثمار اقتصادي بالمقايضة بين إعادة العلاقات وإعادة الإعمار.

تيار «المستقبل» برئاسة رئيس الحكومة المُكلف سعد الحريري وحزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع، من أكثر المُتشدّدين في «عدم التطبيع مع نظام الأسد». وعلى غرار مبدأ أنّ «لبنان آخر بلد عربي يُطبِّع مع إسرائيل»، اعتمدت «القوّتان السياديتان» شعار «لبنان آخر دولة عربية تُطبِّع مع الأسد».

موقف غالبية الدول العربية، تحديداً الخليجية منها، من النظام السوري وإخراج سوريا من جامعة الدول العربية، إضافةً إلى العداء السياسي بين قوى 14 آذار والنظام السوري، فضلاً عن ملفات أمنية ثَبُتَ تورُّط «نظام الأسد» فيها في لبنان، عوامل جعلت «القوات» و«المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» وقوى أخرى تتمسّك بموقفها الرافض إعادة العلاقات مع الأسد.

أمّا وقد لاحت تسوية «القوى الكُبرى» في سوريا، تلاها بدءُ فتح سفارات دول عربية في دمشق، ما يُشير إلى بقاء الأسد في الحُكم إلى أن تلوح تغيّراتٌ أخرى، فقد سقطت حجّةُ خسارة دعم الدول الصديقة التي ستُصبح صديقةً لـ«سوريا الأسد». فهل يُمكن لبنان أن يُمانع في إعادة العلاقات مع سوريا وحيداً؟

وهل يُقاوم الربح الاقتصادي الذي قد يعود عليه من إعادة إعمار سوريا، عبر حلوله مقرّاً وممراً للدول والشركات الخارجية التي ستقوم بإعادة الإعمار، وعبر مُشاركة رجال أعماله في إعمار سوريا؟ بعض القوى المُتشددة في موقفها ضد «سوريا الأسد» يلتزم الصمت حول إعادة العلاقات، بعضها الآخر يفصل بين الموقف الحزبي السياسي وموقف لبنان الرسمي، وبعضها يتعامل مع سوريا بـ«القطعة» وحسب الضرورة.

عضو كتلة نواب حزب «الكتائب اللبنانية»، النائب نديم الجميّل، تعامل مع دعوة سوريا إلى القمة الاقتصادية التنموية العربية التي تستضيفها بيروت في 19 و20 كانون الثاني الجاري، بـ«واقعية»، ويبدو من مواقفه أنّ هذه الواقعية ستنسحب على إعادة العلاقات مع النظام السوري.

وكأنّ الجميّل تبنّى مواقف القوى التي تُبرّر تمسّكها بالعلاقات مع سوريا بأنّ لبنان لا يُمكنه أن يتنفّس إلّا عبر جارته. فيقول: «أنا في نزاع قديم مع النظام السوري، ولكن أنا اليوم، واقعيٌّ جداً، وليس في استطاعة لبنان النهوض إقتصادياً من دون أن يقيمَ علاقة جيدة وجدّية مع سوريا والشعب السوري. سوريا هي المتنفَّس الأساسي للاقتصاد اللبناني».

تيار «المستقبل» يرى أنّ «مَن يحقّ له دعوة سوريا (الى القمة الاقتصادية العربية) هو الجامعة العربية، ولبنان لا يحقّ له دعوة غير المُدرَجين على اللائحة. أمّا إذا دعت الجامعة سوريا، فعندئذٍ يُضطر لبنان الى دعوة الأسد، إذا كان يريد أن تُعقد القمة على أراضيه».

«المستقبل» يعتبر «أنه يجب محاكمة الرئيس الأسد على «الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية». لكنّ «المستقبل» أحد الأحزاب في لبنان، وموقفه مُنفصل عن موقف الدولة»، حسب قول مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية».

وماذا عن موقف الحريري؟

تقول المصادر: «جامعة الدول العربية لم تُعِد سوريا إلى مؤسستها بعد ولم تدعُها، وإذا كان الحريري رئيساً للحكومة حين يحصل ذلك، سيتّخذ الموقف المناسب من موقعه كرئيس حكومة، ومجلس الوزراء هو مَن يتّخذ القرار».

ماذا، إذا قرّرت الجامعة العربية إعادة سوريا إلى مؤسستها؟ تجيب المصادر: «حينها يكون لبنان أمام خيارَين، إمّا أن يدعو الأسد أو ممثلاً لسوريا إلى القمة، وإمّا يطلب نقل القمة إلى مكان آخر».

وإذ تعترف أنّ «الحريري سيوضَع حينها في موقع دقيق وسيكون عليه الاختيار»، لا تحسم موقفه منذ الآن فـ»لكل حادثٍ حديث».

أمّا عن التسوية بعد القمة، فتوضح مصادر «المستقبل»، أنّ «التسوية ستكون مع روسيا وليس مع الأسد، وسوريا برعاية روسيا تختلف عن سوريا الأسد التي تلوَّع لبنان منها على مدى عقود»، مذكّرةً بأنّ «هناك ملفّاً أمنيّاً لسوريا الأسد في لبنان، أقلّه متفجرات ميشال سماحة وتفجير مسجدَي التقوى والسلام في طرابلس».

وتقرّ المصادر، أنه «إذا كانت التسوية بين الدول العربية وروسيا على سوريا برعاية أميركية، بغض النظر عن آرائنا الحزبية، فسيكون هناك شبهُ استحالة على لبنان عدم الدخول في هذه التسوية».

يبدو أنّ التحوّلَ الأخير على الساحة السورية، فرض على القوى المُعادية لنظام الأسد في لبنان الترقب، فـ«القوات اللبنانية» ستتّخذ القرارَ المناسب لحظة دعوة سوريا الى المشاركة في القمة الاقتصادية أو غيرها في بيروت»، حسب ما تقول مصادرها لـ«الجمهورية».

وإذ تشير إلى أنّ «موقف «القوات» واضحٌ من النظام السوري ومن سياسة «النأي بالنفس» والتمسّك بها والتشدّد حول أولوية الاستقرار في لبنان، وأنّ موقف «القوات» واضح من الخصوصية اللبنانية»، تقول إنّ «الموقف المناسب من خطوة من هذا النوع يُتَّخذ في حينه».

وترى المصادر أنّ «ما يحصل أكبر من لبنان»، مشيرةً إلى أنّ «العلاقات المتأزِّمة بين لبنان وسوريا سابقة لتأزُّم العلاقات العربية ـ السورية، وما يحصل اليوم هو انفتاحٌ عربي على سوريا، ليس من أجل إعادة شرعية نظام الأسد بمقدار ما هو من أجل التحضير والتهيئة لإعادة ترتيب الوضع في سوريا والمنطقة».

لا شك في أنّ التسوية في سوريا أكبَر من أن تُمانعَها جهاتٌ لبنانية داخلية بمفردها، ولكنّ القاعدة الشعبية لهذه القوى ستسألها: «لماذا مانعنا كلّ السنوات السابقة إذاً؟ ولماذا خسرنا رهاننا الاستراتيجي؟ وهل يُمكن أن نقبلَ عودة الأسد إلى بيروت؟».

توضح مصادر معنيّة، أنّه «من المعروف أنّ سوريا اليوم وعلى غرار ما كان عليه الوضعُ في لبنان، بين عامي 1975 و1990 هي ساحةُ نفوذ ونزاعات إقليمية متعدّدة على كل المستويات، حتى وإنّ استمرّ الأسد في الحكم، سيبقى بلا سلطة ونفوذ حيث إنّ القرار موزّع على أكثر من دولة إقليمية في ظلّ سيطرة واضحة للدولة الروسية على صعيد الاستراتيجيا. وبالتالي لا يجب تحميلُ التسوية أكثر ما تتحمّل، فالنظام السوري غير موجود كنظام، والمخاوف من عودته إلى لبنان غير ممكنة، لأنه لم يستعِد وضعَه داخل سوريا، فكيف له أن يتمدَّدَ إقليمياً؟».