Site icon IMLebanon

حكومة لبنان والصراع الجيوبوليتيكي على الشرق الأدنى!

تؤكد مصادر المعلومات الموثوق بها أن مسألة تأليف الحكومة ستعود إلى الطاولة، بصورة سافرة، بعيد انتهاء أعمال القمة الاقتصادية العربية التنموية التي تبدأ أعمالها السبت (19 الجاري) وتنتهي في اليوم التالي (20 منه ضمناً).

ولا تسقط المصادر من حساباتها ان الاشتباك الحاصل حول انعقاد القمة اصلاً، وبغياب سوريا، ومشاركة ليبيا ما بعد القذافي (المتهم الحقيقي، والمسؤول الأول، عن اختفاء الامام السيّد موسى الصدر في ليبيا، التي وصلها قبل 40 عاماً ونيّف، بدعوة رسمية من السلطات هناك، ولم يعد)، وبغياب حكومة أصيلة، وهي الحجج التي يدلي بها الرئيس نبيه برّي، بصفته رئيساً لحركة «امل»، التي أسسها الإمام الصدر، ورئيساً للمجلس النيابي اللبناني، الذي تمكن الطرف الثاني في الاشتباك التيار الوطني الحر من إيصال الكتلة الأكبر إليه، في سابقة الانتخابات على أساس قانون النسبية، سيكون له تأثيراته، وتداعياته الحقيقية عملية التأليف، على الرغم من الرسالة التي حاول النائب الفائز على لائحة حزب الله في البقاع الشمالي، اللواء المتقاعد جميل السيّد (المدير العام السابق للأمن العام إبَّان فترة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) إيصالها، تلفزيونياً (راجع الحوار مع النائب السيّد على قناة «المنار»، مساء الجمعة الماضية)، ومضمونها ان لا حنق سورياً على بعبدا، بل دعوة للحؤول دون تعثر عهد الرئيس ميشال عون، الذي يتفهم الرئيس السوري بشار الأسد، عدم دعوته إلى قمّة بيروت الاقتصادية، التي اجريت قبل 72 ساعة أوّل مناورة ميدانية، ذات صلة بالتنظيم، واستيعاب المدعوين، وتوفير ما يلزم من خدمات لوجستية للضيوف، ولانجاح الدعوة التي قال عدد من رؤساء وأمراء الدول العربية، انهم عازمون على المشاركة في أعمالها.

وبصرف النظر عن مجريات الاشتباك، ومفاعيله على الأرض، وفي السياسة، من زاوية تلويح الرئيس برّي انه لن يتورّع عن انتفاضة 6 شباط ثانية، (الأولى 6 شباط 1984)، وبالطبع ستكون، إذا حصلت، وهذا مستبعد، في ضوء اتصالات تجري لاحتواء التوتر، وعدم تصوير المشكلة، وكأنها صراع بين الشيعة والمسيحيين (أو الموارنة) على وجه التحديد، والذين دعا بطريركهم النشيط، والمبادر، قياداتهم وكتلهم النيابية إلى اجتماع بعد غد في بكركي، على خلفية تأخير تأليف الحكومة، لكن المعطيات تتحدث عن اتجاه قوي، لدى الجهة المنظمة للإجتماع إلى إصدار بيان، يخشى ان يُشكّل في «جوانب ما» منه رداً على بيان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حول رفض دعوة ممثّل ليبيا، وتبني الوجهة السياسية لحركة «امل» ورئيسها، فضلاً عن دعم العهد، أو تحميل أطراف شيعية نافذة مسؤولية تأخير الحكومة، لغايات إقليمية في نفس يعقوب!

في ظروف، توتر داخلي، هو الأول من نوعه، منذ وصول العماد عون إلى الرئاسة الأولى، عن طريق الانتخاب، وتوتر عند الخط الأزرق، هو الأوّل من نوعه، بين لبنان وإسرائيل على خلفية بناء الجدار الإسمنتي، عند نقاط في خراج بلدة العديسة الحدودية، متنازع عليها، وهي وفقاً لسندات القيد أو الملكية تعود (أي الأراضي) لسكان في بلدة العديسة (قضاء مرجعيون)، وعلى شفا أزمة مالية، تجري مخاوف، وتأكيدات من أن تكون بالغة الخطورة، تتعلق بسندات الاستدانة بالدولار الأميركي، بالتزامن مع النشاط المعادي للمصارف اللبنانية وحزب الله في الولايات المتحدة (سواء الدعاوى ضد 11 مصرفاً أو العقوبات ضد كل البنى السياسية، نواب ووزراء ومسؤولين، أو البنى الإعلامية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة أو العائدة لحزب الله)، بدأ وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل، من منزل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو سلسلة لقاءات، تشمل شخصيات رسمية (الرؤساء الثلاثة، عون، برّي، الحريري) وعسكرية (قائد الجيش العماد جوزيف عون) وحزبية وسياسية وربما روحية، تحت عنوانين كبيرين:

1 – تجديد التزام الولايات المتحدة الأميركية الشراكة مع لبنان، بما يضمن استقراره الأمني والسياسي..

2 – تحجيم دور حزب الله في المعادلة الوطنية الداخلية، من زاوية الحؤول دون تمكينه من توظيف قدراته العسكرية والقتالية، لا في الاستثمار في مجال السلطة الداخلية، ولا بالمواجهة مع إسرائيل، مع ارتفاع وتيرة الكلام عن عدوان إسرائيلي في الربيع المقبل، واستعداد الحزب لمواجهته بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك «القوة الصاروخية» الدفاعية والهجومية، التي يمتلكها الحزب، ولا يُخفي المجاهرة بها، (سواء أكانت مئة ألف صاروخ أم أكثر).

السؤال الذي يشغل اللبنانيين، يتصل بمهمة المبعوث الأميركي، في هذا الوقت بالذات؟

بداية، ووفقاً لمصدر دبلوماسي مطلع، تندرج زيارة السفير هيل إلى لبنان، في إطار مهمة ناظر الخارجية الأميركية مايك بومبيو في الشرق الأوسط، والتي بدأت من مصر، وتشمل دولاً في الخليج، فضلاً عن الأردن، وإسرائيل والعراق.. فزيارته إذاً، تأتي في سياق تحرُّك أميركي دبلوماسي في الشرق الأوسط.

الرسالة الأميركية الأولى، ان إدارة ترامب (الرئيس الأميركي دونالد ترامب) لا، ولن تُُدر ظهرها إلى الشرق، فلديها مصالح كبرى، لجهة الأسواق، ومصادر الطاقة، وحماية أصدقاء أميركا في المنطقة، فضلا عن صفقات بيع الأسلحة، ومحاصرة النفوذ الروسي، وإخراج إيران من لبنان وسوريا والعراق واليمن، وإضعاف نفوذها في هذه الدول، حتى لو تخطى الوضع اجراءات، غير اقتصادية، متصلة اساسا بإلغاء الاتفاق النووي وتبعاته..

حدَّد بومبيو في محاضرة له في الجامعة الأميركية في القاهرة، قبيل اجتماعه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أهداف زيارته، وهي نفسها الأهداف التي تتضمنها الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، بصرف النظر عن التصريحات المتصاعدة أو الهابطة للرئيس ترامب، المتعلقة بالانسحاب العسكري من سوريا، أو استراتيجية المواجهة مع إيران التي تقضي بتحجيم نفوذها الإقليمي، في ظل تفاهمات مقصودة مع «النمر الروسي» لمواجهة تنامي القوة الاقتصادية للتنين الصيني وسائر النمور الآسيوية من طوكيو إلى بانكوك، فضلاً عن اضعاف قدرة انتعاش «العجوز الاوروبي»، ولو على ظهر انجيلا ميركل الزعيمة الالمانية القوية..

في الاستراتيجية إياها نقطتان بارزتان:

1 – بناء قوة إقليمية عربية – تركية، لمواجهة النفوذ الإيراني، والاحتفاظ بمكانة التفوّق العسكري والإستراتيجي لإسرائيل، كقوة امامية، تواجه تنامي القدرات العسكرية للجيش السوري وحزب الله، من خلال ضمان استمرار الضربات الجوية لمراكز التسلّح أو الامدادات، لا سيما في محيط دمشق امتداداً إلى الجنوب السوري (الجولان والمرتفعات بمحاذاة السلسلة الشرقية وصولاً إلى مزارع شبعا، والخط الأزرق اللبناني- الاسرائيلي).

2 – تقديم ما يلزم من ضمانات لحلفاء الولايات المتحدة، تحت سقف يالطا أميركية – روسية: العراق منطقة نفوذ أميركي وسوريا منطقة نفوذ روسي.

على خط الزلازل الميدانية، وعلى خط الاهتزازات الدائمة في التفاهمات الكبرى، يُمكن فهم شمل لبنان ضمن الحركة الدبلوماسية الراهنة: تطويق حزب الله، واضعاف نفوذه، وإيصال رسائل تطمين ودعم للقوى المناهضة له في لبنان.

ومن هذه الوجهة بالذات، تدخل عملية تأليف الحكومة، في مسار اقليمي- دولي، يتعدَّى حدود اللعبة الداخلية، وتصبح حكومة لبنان العيتدة، (هذا، إذا تألفت في وقت قريب أو بعيد) من ضمن الصراع الجيوبوليتيكي، على الشرق الأدنى والهلال الخصيب، في استعادة لحقبة، تشبه حقبة ما بين الحربين الكبريين، وما ترتب عليها من انحلال الولايات العثمانية، بعد سقوط الأمبراطورية، وقيام الجمهورية الطورانية، مع مصطفى كمال أتاتورك، وقيام ملكيات وجمهوريات مستقلة، تعيش اليوم، تحت وطأة تعثرات وانهيارات، و«ربيع عربي» مندثر، وتلويحات بفصول من العنف والتمزق والتفكك، على مساحة المنطقة، وما فيها من بقايا استقرار..

ومن الطبيعي، ان يكون إقحام لبنان ضمن خطة التحرّك الأميركي، الدبلوماسي، الذي يحمل في طيّاته «نيات عدوانية» مشمولاً بالنيات نفسها، بصرف النظر عن بيان تلطيفي من هنا، وتشاطر لبناني من هناك، سواء أتى من السفارة، أو من أمراء الطوائف القلقين، اليوم وغداً.. وبعد غد؟!