Site icon IMLebanon

استكمال السطوة الإيرانية بقناع سوري في لبنان

كتب علي الأمين في صحيفة “العرب”:

لبنان مرشح للمزيد من التداعيات السياسية في المرحلة المقبلة، ففي ظل التعطيل الحكومي المستمر منذ ما بعد الانتخابات النيابية في مايو من العام الماضي، تجري عملية متقدمة من تطويع ما تبقى من عوائق أمام السيطرة الكاملة على الجغرافيا والديمغرافيا اللبنانية بوسائل باتت تنذر بأن لبنان يدخل، سياسيا، في العصر الإيراني.

‏لم يعد خافياً أن الانكفاء الإيراني النسبي عن الأراضي السورية، يتم في اتجاه لبنان وناحية العراق، ونشير إلى نسبيته، لأن النفوذ الإيراني في سوريا يتعرض لنوع من الحصار، الذي تشكل المصالح الروسية والإسرائيلية عنصرا ضاغطا في جعل القيادة الإيرانية أكثر اهتماما بالبحث عن خيارات بديلة من دون أن يعني ذلك أن جحافل الميليشيات التابعة لها، باتت على أهبة الخروج من هذا البلد، بل عبر التأكيد على وضع خيار الاضطرار إلى الخروج من سوريا، كواقع جدي في المدى المتوسط.

‏من هنا يكتسب لبنان أهمية إضافية، على صعيد ترسيخ النفوذ والسيطرة، عبر محاولة تفكيك كل ما تعتبره القوى الموالية لإيران ألغاما يمكن أن تنفجر لاحقاً. لذا كان التعطيل الحكومي أحد أبرز الوسائل التي يراد من خلالها تثبيت معايير جديدة في تشكيل الحكومات، تقوم على ثابتة أن لا سلطة في لبنان يمكن أن تمارس دورها على مستوى الدولة، من دون أن تخضع لسلطة أعلى هي سلطة “الدويلة” أو الذراع الإيرانية المتمثلة في حزب الله في هذا البلد.

‏وإلى جانب هذه الرسالة الانقلابية على الدستور والأعراف والتي ألمح إليها رئيس الجمهورية قبل أسبوعين، برزت فرصة ثانية التقطها حزب الله من خلال القمة الاقتصادية العربية، فكان لا بد من إطلاق إشارات إلى كل من يعنيهم الأمر على المستوى العربي والدولي، بأن انعقاد القمة العربية هذه في بيروت تقرره حسابات إيرانية، فعمدت سلطة الوصاية على لبنان إلى افتعال مسألة دعوة سوريا إلى هذه القمة، والتهديد بإفشالها ومنعها فيما لو لم تدعَ سوريا، رغم إدراك الجميع أن مثل هذه الخطوة تبقى من اختصاص جامعة الدول العربية وحدها، ولبنان ليس هو من يقرر منفردا في هذه الخطوة.

‏الخطوة الثالثة تتركز في إعادة رسم موازين القوى الداخلية على إيقاع مختلف وجديد، أبرز معالم هذه الموازين الجديدة تتركز في تحجيم دور القوى ذات الوزن الطائفي والسياسي، التي يمكن أن تبرز كعنصر معرقل لتمدد نفوذ إيران ولتغوله على الدولة والقرار اللبنانيين.

من هنا يمكن فهم منع حزب الله لحليفه الرئيس ميشال عون من أن يكون له حضور مقرر في الحكومة، من خلال منعه بالتضامن والتكافل مع التيار الوطني الحر من الحصول على ثلث الوزراء. وهي خطوة يهدف حزب الله من خلالها إلى منع وجود أي سلطة مقررة في الحكومة حتى شكلاً، باعتبار أن أحداً لم يصل به التحليل السياسي إلى مرحلة يمكن أن تجعل الرئيس عون في موقع الخصم أو المنافس لسلطة حزب الله.

‏وفي السياق نفسه بدأ حزب الله باستخدام قناع النظام السوري، كوسيلة إضافية يجري اعتمادها لتطويق وتطويع بعض الحلفاء والخصوم. فمن جهة خصومه وجه حزب الله إلى بعض معارضيه رسائل مشفرة، مفادها أنتم أمام خيارين إما التسليم بوصاية إيران عبر حزب الله، وهذا يضمن لكم حصصكم في السلطة، ويوفر لكم الحماية من خطط انتقام النظام السوري، وإن لم توافقوا فاستعدوا لمواجهة النظام السوري الذي لن يتسامح مع كل من راهن وعمل على إسقاطه في لبنان.

‏لا شك أن هذين الخيارين، اللذين يقترحهما حزب الله، يشيران إلى ما ينتظر اللبنانيين في المرحلة المقبلة، وهي المرحلة التي سيعتمد فيها منهجية إدارة نفوذه من خلال استخدام العصا السورية والجبنة الإيرانية، بحيث يحصر الخيارات بين نظام الأسد وبين حزب الله، وهذه وسيلة يفهمها الجميع ولكن لن يستطيع أحد مواجهة “خبثها” طالما أن لا خيار آخر مطروحاً في مواجهة النفوذ الإيراني بوجهه اللبناني أو بوجهه الأسدي.

‏ولعل العمل على صناعة مركز قوة درزي في مقابل زعامة وليد جنبلاط، يظهر إلى حد بعيد كيف يعمل حزب الله على الإمساك بالطوائف ومنع انفجارها في وجهه، فما يجري فعله لدعم موقع وئام وهاب وجمعه مع قوة طلال أرسلان، وهما كانا خصمين لدودين وصارا اليوم حليفين بقدرة راعيهما وصانع نفوذهما، فقط لمحاصرة جنبلاط وللمزيد من ابتزازه وتطويعه.

‏الرئيس نبيه بري الذي التزم التزاما دقيقا بالخيارات الاستراتيجية لإيران، في مقابل المحافظة على دور في السلطة اللبنانية، هو اليوم نفسه يتعرض للمزيد من التحجيم والتطويع، وهذه المرة بالعصا السورية. فمقولة الغضب السوري من الرئيس بري، تتكرر في أوساط سياسية وإعلامية، لكن الرئيس بري ليس غافلا عن معرفة أن النظام السوري هو أقل من أن يستطيع التصرف في لبنان من خارج سلطة إيران وذراعها، لكن يدرك في المقابل خطورة استخدام القناع السوري من قبل إيران ضده.

‏لن نتحدث عن الرئيس سعد الحريري والطائفة السنية التي تبدو الحلقة الأضعف في معادلة الصراع القائمة. فالرئيس الحريري الذي قدم في الانتخابات النيابية الجزية السياسية لحزب الله، يدرك اليوم أنه في مرحلة انتقالية ليس هو من يستطيع رسم معالمها، بل ترسمها قواعد الصراع الإقليمي بالدرجة الأولى ونتائجه على دور إيران ونفوذها، فبخلاف عون وجنبلاط وبري هو مطمئن إلى وجوده الراسخ بامتداده الديمغرافي والإسلامي العام، وحتى الدولي، بينما الآخرون باتوا محكومين إلى وضعية حرجة تجعلهم أمام عجلة من أمرهم، فالانتظار مكلف سياسيا ووجوديا، كما أن الانضواء الكامل والنهائي بالمسار الإيراني ليس أقل خطرا.

‏حزب الله يسير في اتجاه وضع الجميع تحت وصايته، ويستمر في جعل الوجود في السلطة خارج الولاء له أمراً مستحيلاً وما يساعده على تنفيذ خططه سياسة إدارة الظهر الدولية والعربية للبنان، ذلك أن ما يريده الغرب الأميركي والأوروبي من لبنان ليس أكثر من الالتزام بأمن الحدود مع إسرائيل، وهذا واقع موجود برعاية حزب الله. والأمر الثاني ألا يكون ساحة رعاية لقوى الإرهاب السني وهذه حقيقة كان لحزب الله دور في توفيرها، والأمر الثالث ألا يكون ساحة اقتتال يمكن أن تنشأ من خلالها تداعيات على الأمن الدولي والإقليمي.

وسوى ذلك من معايير الديمقراطية والسيادة هو اليوم من باب الترف السياسي الذي لن يشكل نقطة استقطاب دولي للاهتمام بلبنان.

‏الثابت أن اللبنانيين هم أمام مصيرهم في مرحلة إعادة رسم معادلة دستورية وسياسية جديدة على وقع أزمة اقتصادية ومالية تنذر بمخاطر على النظام الذي يراهن حزب الله على أنه سيكون رهن وصايته في ظل انهيار ما تبقى من قوة للاقتصاد بعدما أمكن القول إن الدولة تداعت أمام سطوة الدويلة.