كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:
انفرط عقد«التخريجة» بعدما طالب «التيار الوطني الحر» بضم الوزير ممثّل نواب «اللقاء التشاوري» إلى صفوفه، ورفض النواب هذا الطلب
لم يعد الحديث عن موضوع تأليف الحكومة الجديدة يتصدر النقاش السياسي أو المداولات الإعلامية كما كان سائداً قبل أسابيع وكأن الجميع أصبح متيقناً ان عملية التشكيل قد دخلت بالفعل في مرحلة من الجمود، لا يُمكن لأحد ان يتكهن متى ستنتهي وكيف، بالتزامن مع ما يحصل في الداخل وبالحوار وعلى مستوى المنطقة.
ولكن لا بدّ من استعراض معوقات التعطيل التي توزعت بين رئيس «التيار العوني» الوزير جبران باسيل و«حزب الله»، كل بأسلوبه وممارساته وطموحاته المعلنة والخفية والنتيجة واحدة هي بقاء لبنان بلا حكومة جديدة تنبثق عن الانتخابات النيابية ومعلقاً بين الفراغ الحكومي وعواصف المنطقة التي تبدأ بما يحدث جنوباً ولا تنتهي في سوريا.
فتارة تحت وحدة المعايير واحترام نتائج الانتخابات النيابية، استهل الوزير باسيل باكورة تعطيل عملية تشكيل الحكومة منذ نهاية أيّار الماضي، ومروراً بتقليص التمثيل الوزاري وتحجيم حصة «القوات اللبنانية» بالمقاعد الوزارية والحقائب عدداً ونوعية، والتدخل بالتمثيل الدرزي لمنع الحزب «التقدمي الاشتراكي» من الحصول على الحصة الوزارية الدرزية كاملة، ومحاولة تمثيل غريمه النائب طلال أرسلان، مباشرة أو مداورة لكسر هذه الاحادية استغرق الأمر أكثر من ستة أشهر كاملة، وعندما عولجت كل هذه الطموحات السياسية وأزيلت العقد وكادت الحكومة تبصر النور، خرج «حزب الله» عن وعود أمينه العام حسن نصر الله، بتقديم كل التسهيلات المطلوبة كي تبصر حكومة الرئيس الحريري الجديدة النور، باختراع ما سمي بتمثيل مجموعة النواب السنّة التابعين له فجأة هكذا وبلا مقدمات بعدما كان انضم هؤلاء، كل في الكتلة التي ترشح للانتخابات من ضمنها، إن كان بالاستشارات لتسمية رئيس الحكومة المكلف أو بلقاء الأخير لإبلاغه عن شكل الحكومة وتركيبتها.
وبعدما تمّ ترتيب تخريجة سياسية لإنهاء أزمة تمثيل هؤلاء النواب، وكادت الأمور تصل إلى خواتيمها المعهودة، انفرط عقد هذه التخريجة بعدما طالب «التيار الوطني الحر» بوجوب ضم الوزير الذي يمثل هؤلاء النواب إلى صوف التيار بالمشاركة في الحكومة ممارسة وتصويتاً وهو ما رفضه تجمع هؤلاء النواب الذين يتحركون بإيحاء وتوجيه من «حزب الله» مباشرة.
ولم تقتصر الأمور عند هذا الحد، بل بادر الوزير جبران باسيل للمطالبة بإعادة توزيع جديد للحقائب الوزارية، باعتبار ان تمثيل هؤلاء السنّة في الوزارة قد احدث خللاً بالتمثيل، لا بدّ وان يصحح من خلال إعادة توزيع الحقائب وحصول «التيار الوطني» على بعض منها خلافاً لما كان متفقاً عليه من قبل.
وهكذا عادت الأمور إلى الوراء أكثر من السابق، عقدة «حزب الله» المخترعة بقيت عائقاً امام تشكيل الحكومة الجديدة، ومطالب الوزير جبران بحصة وزارية وازنة، عدداً ونوعية وهو ما بات يُطلق عليه خصومه بالثلث المعطل عائقاً آخر وكأن كل ما تمّ التفاهم عليه سابقاً لم يعد قائماً، وباتت عملية تشكيل الحكومة معلقة على هاتين العقدتين الاساسيتين، عقدة «حزب الله» المطالبة بتوزير ممثّل عن النواب السنّة وعقدة الوزير باسيل التي توقفت عند حدودهما كل محاولات ومساعي التشكيل.
فـ«حزب الله» يحاول نفض يديه من تعطيل تشكيل الحكومة بالهروب نحو مسألة تمثيل النواب السنّة التابعين له وكأن الحزب أصبح في هذه الأيام حريصاً على حقوق التمثيل السنّي ولم يعد يكتفي بالمطالبة بالحصة الشيعية فقط، وهو الأمر المضحك المبكي هذه الأيام، ومن ناحيته يتمترس الوزير باسيل عند مطالبه الجديدة، رافعاً شعارات استفزازية، لا تتوافق مع مساعي التشكيل وتُبقي الأمور في دائرة المراوحة في المكان نفسه دون تحقيق أي تقدّم باتجاه تشكيل الحكومة.
الآن، أضيفت اعتراضات رئيس المجلس النيابي نبيه برّي على مشاركة ليبيا في مؤتمر القمة الاقتصادية بالرغم من تبدل الحكم في ليبيا والاطاحة بنظام معمر القذافي وهي اعتراضات لم تكن موجودة لدى مشاركة ممثّل عن نظام القذافي بقمة بيروت عام 2002، عندما كان الأسد مشاركاً فيها، وبالطبع لم تكن غريبة هذه الاعتراضات عن عملية تصفية الحسابات بالمسار السياسي مع العهد الحالي ولا تفصل عن عملية تشكيل الحكومة الجديدة.
وهناك أيضاً المعركة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية ضد النظام الإيراني، في سوريا والمنطقة، وبالطبع لا بدّ وأن يتأثر الوضع السياسي الداخلي اللبناني بشظايا هذه الحرب التي تأخذ أبعاداً متعددة، وتطالب مفاعيلها مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية، بل تزيد من حدة الاشتباك السياسي الداخلي بشأنها.
لذلك، لا يُمكن فصل هذه الوقائع والمستجدات عن مسار تشكيل الحكومة الجديدة، بالرغم من محاولة معظم الأطراف نفي علاقة الخارج بعملية تعطيل تشكيل الحكومة والادعاء بأن المشكلة هي محض داخلية فقط.
والخلاصة يتناوب «التيار الوطني الحر» بالتعطيل من خلال محاولته إبتلاع أكبر حصة وزارية مسيحية ممكنة والاستحواذ على ما يُمكن من حقائب وازنة في التركيبة الحكومية المرتقبة، في حين يتلطى «حزب الله» وراء بدعة تمثيل «النواب السنّة» التابعين له ويحاول عبثاً رمي مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة في مرمى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري خلافاً للواقع والحقيقة.. وهكذا دواليك تدور الأمور بالدائرة نفسها ويبقى لبنان بلا حكومة جديدة، لأنه يبدو ان الوقت لم يحن بعد لولادة الحكومة المرتقبة، محلياً واقليمياً على حدّ سواء، وبالطبع يدفع اللبنانيون ثمن هذه السياسة والممارسات في الداخل والتبعية للخارج من مصالحهم وتطورهم.