كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
تجاوز الداخل اللبناني «قطوعاً» إرتبط مباشرة بأمن القمّة التنموية الاقتصادية العربية المزمَع عقدُها في بيروت نهاية الأسبوع ونزع فتيل مواجهة مباشرة هي الأولى من نوعها منذ إنطلاق العهد بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وسط صمت مطبَق لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري من «التنازع» القائم على «ضيوف» القمّة.
هدأت «العاصفة» في الشارع على خلفية دعوة ليبيا الى المشاركة في القمة بعد إعتذار طرابلس عن الحضور، لكنّ «الغليان» السياسي إنحصر في الغرف المغلقة، مع إصرار عين التينة وحلفائها على أنّ علاماتِ إستفهامٍ كبرى رافقت الدعوة «الرسمية» اللبنانية لليبيا الى الحضور ووصلت الى حدّ الحديث عن «قوطبة» لا تعفي وزارة الخارجية من المساءلة عليها، وبأنّ انعقاد القمة الاقتصادية من دون سوريا هو «خطأ كبير» لا تنفع معه التبريراتُ من جانب الجهات المنظِّمة، فيما وصفت قناة «إن. بي. إن» القمة بـ «قمة المراهقة السياسية التي تكمن في الإمعان في إستبعاد دمشق، من دون الالتفات إلى ما يمكن أن يتركه هذا الأمر من تداعيات على مستقبل العلاقات اللبنانية – السورية». ويبقى التبشيرُ الدائم من جانب هؤلاء بأنّ «مستوى التمثيل في القمة «سيكون دون المستوى المطلوب»!
مصادر كتلة «المستقبل» من جهتها أكدت أنّ ما حصل وإعتذار ليبيا عن المشاركة «أمرٌ مؤسف ومسيء للبنان والدولة ولقضية الإمام موسى الصدر»، مع العلم أنّ الحريري سيترأس الوفد اللبناني في القمة.
ففي يوم الافتتاح الأحد وبعد تسليم رئاسة القمة من الجانب السعودي الى عون، ينتقل الحريري لترؤس الوفد اللبناني في كافة الجلسات، مكان عون، والمؤلف من وزراء الخارجية والاقتصاد والمالية والشؤون الاجتماعية. وقد وجّهت الدعوة الى بري لحضور القمة وخصّص له مكان على رأس جميع المدعوين العرب واللبنانيين.
أما لجهة الداعمين لإنعقاد القمة العربية بمَن حضر، والاستجابة للدعوة التي وجّهتها الجامعة العربية لليبيا للمشاركة، فقد كان لافتاً إستمرارٌ نواب وقيادات في «التيار الوطني الحر» تصعيدَهم الكلامي، وقد ذهب أحد نواب «التيار» الى حدّ القول «إنّ الدولة ومرافقها تحت الاحتلال»، معتبراً «أنّ هناك مَن يحتلّ الدولة بالقوة ويُسقط مؤسساتها وقوانينها فقط لأنه الأقوى ظاهرياً. النقاشُ اليوم بين الدولة ودولته».
وبدت الغالبية العظمى من الفريق العوني مؤيّدةً ردةَ الفعل الليبية وكلامَ المتحدث بإسم مجلس النواب الليبي عن «قيام ميليشيات لبنانية بنزع علمنا»، مع تفهّم كامل لإحتمال إعلان طرابلس الغرب رسمياً قطعَ علاقتها مع لبنان، «بما أنّ ردة الفعل جاءت ردّاً على «فعل».
ويلفت هؤلاء الى أنّ بيان وزير الخارجية جبران باسيل في شأن «الرفض المطلق للأعمال التي طاولت دولة ليبيا» والأسف لعدم مشاركتها، يعكس في وضوح الموقف اللبناني الرسمي بعيداً من لغة المزايدات والتشويش، وهو يشكّل إدانةً مباشرة لمَن تصرّف في السياسة وعلى الأرض بمنطق الاستقواء.
هكذا، وعلى مستوى «قرقعة طبول» التهديد من حضور ليبيا القمة الاقتصادية العربية والتحذير من عدم تأجيلها بضعة أشهر لكي يتسنّى لدمشق أن تكون من ضمن الجالسين على منبرها، أُعلن عن إستكمال كافة التحضيرات لعقد القمة بعيداً من كل «مصادر» التشويش.
وقد عكس المؤتمر الصحافي الذي عقدته أمس اللجنة العليا للقمة إصرارَ الجهة المنظِّمة، ومن خلفها رئاسةُ الجمهورية، على أنّ التحضيرات للقمة التي بدأت منذ آب قد تمّت بعلم الرئاستين الثانية والثالثة، ولم يكن هناك ما يمكن أن يؤشّر الى حصول «موجة غضب» لاحقة من جانب بري، إن في ما يتعلّق بمشاركة ليبيا أو دعوة سوريا، مع العلم أنّ قريبين من بري يرون أنّ مشاركة ليبيا «الرمزية» في القمة كان يمكن أن تعفي الداخل من هذه الخضة التي يتحمّل مسؤوليتها مَن حاول «التشاطر» في مسألة بالغة الحساسية والأهمية.
ويرى قريبون من باسيل أنّ «ما حصل لم يكن سهلاً ولا بسيطاً، وإن كان من المتوقع أن يتجاوزَه الرئيسان عون وبري إستناداً الى وعيهما السياسي، إلّا أنه «سيُعلِّم» خصوصاً لدى مَن أوكل اليه الدستور حماية الدولة والمؤسسات».
ويضيف هؤلاء: «ردُّ باسيل أصاب الهدفَ تماماً، وأظهر الفارق بين الفريق المؤسساتي وبين مَن لم يخرج بعد مِن لغة الحرب. هناك فريق لديه ماض نحاول أن ننساه، لكن هو يصرّ على تذكيرنا به دائماً».
ويؤكد القريبون من باسيل: «إننا تفاجأنا كثيراً بموقف بري التصعيدي الذي لم يظهر منه في الفترة الماضية سوى الحرص على حماية الدولة ومؤسساتها ونبذ الشغب وتهدئة النفوس المحقونة، فإذا بنا أمام نسخة جديدة تنسف كل الإيجابية التي طبعت علاقته مع العهد في الفترة الماضية وتذكّر بزمن الميليشيات»، مشيرين الى أنّ «المواجهة مع العهد التي كانت مستترة ظهر جانبٌ من «هويتها» من خلال الأحداث غير المبرَّرة في الأيام الماضية والتي شكّلت إعتداءً صارخاً على مؤسسات الدولة».