كتبت كاتيا توا في صحيفة “المستقبل”:
بضعة سنتمترات كانت تفصل بين الضابط في الجيش اللبناني وهو برتبة نقيب وبين هاني ع. أثناء مثولهما أمام المحكمة العسكرية، بعد أن كانا قبل عام تقريباً «أعداء» بتبادلهما الضرب والتسبب بإيذاء بعضهما البعض والتعطيل عن العمل أقله لمدة عشرة أيام، وذلك على خلفية أفضلية المرور في محلة الدكوانة.
لم تكن معاقبة الضابط مسلكياً بتأخير ترقيته ستة أشهر ونقله من مركز عمله إلى منطقة مرجعيون وتوقيفه عشرة أيام، لـ«تشفي غليل» هاني، الذي«أكل قتلة» منه، فالأخير تردد في مصالحة الضابط حين عرض عليهما رئيس المحكمة العميد الركن حسين عبدالله ذلك: «بدكن تطلعو من هون أصحاب»، فكان له ما أراد بعد ان أفسح في المجال أمام الرجلين بـ«تصفية القلوب» داخل غرفة جانبية، خرجا بعدها لـ«يعلنا»: «تصالحنا»، ليصدر لاحقاً حكم قضى بتغريم الضابط مبلغ مئة الف ليرة والثاني إسقاط الدعوى عنه تبعاً لإسقاط الحق الشخصي.
روايتان متناقضتان أدلى بها كل من الضابط وهاني حول تلك الحادثة، ففي إفادة الأول أمام المحكمة أثناء استجوابه، أشار إلى أنه كان يوم أحد وبرفقته عائلته عندما كان على طريق الدكوانة وكان هاني يسير أمامه «والطريق واسعة»، ولما حاول اجتيازه أقفل عليه الطريق، فأطلق الضابط بوق السيارة ليمر بعد أن «زاح شوي» هاني بسيارته الأمر الذي أدى إلى حصول احتكاك بمرايا السيارات. ويضيف الضابط في تلك الافادة: «لم أتوقف حينها وأكملت طريقي إنما هو لحقني وصدم سيارتي من الخلف».
سارع الضابط إثر ذلك إلى النزول من سيارته وتوجه إلى هاني واضعاً يداه «بخوانيقو»، على حد تعبيره، قائلاً له:«شو انت مجنون، أنا معي ولاد صغار»، وحينها عاجله هاني بـ«بوكس» على عينه، وعندما أعلمه أنه ضابط في الجيش، كان قد تجمهر عدد من الناس، ليعود هاني ويضربه «بوكس» آخر.
«لم يهن علي ذلك»، يقول الضابط، «وأنا أتعرض للضرب أمام عائلتي وأطفالي»، ليوضح بأن تقرير الطبيب يؤكد الإصابات التي تعرض لها.
أما لهاني فرواية أخرى، حيث أفاد بأنه في ذلك اليوم كان متوجهاً من الدكوانة إلى منطقة الحازمية وبرفقته خطيبته، عندما كان الضابط يسير وراءه طالباً المرور وانه تحين الفرصة ليفسح له المجال في المرور، حيث قام بـ«ضرب مرأة السيارة» وأكمل طريقه من دون أن يتوقف، فما كان من هاني إلا أن لحق به لالتقاط صورة للسيارة، وما إنْ همّ بالنزول من سيارته حتى تقدم منه الضابط وأنزله عنوة وبدأ «يدعوسني» ويضربه، وعندما حاول أحد الأشخاص المتواجدين في المكان إبعاده عنه تلقّى من الضابط ضربة على رأسه، وعندما كانت خطيبته تقوم بتصوير السيارة بهاتفها هجم عليه محاولاً انتزاع الهاتف من يدها. وأضاف هاني:«أنا لم أتعرض له أبداً»، إنما «أكلت قتلة منّو»، ليرد الضابط «وأنا أكلت 3 بوكسات».
أمام هاتين الإفادتين المتناقضتين، أشاح رئيس المحكمة بنظره عن الضابط وهاني، ليركّز على إفادة أحد الشهود في الأوراق بين يديه، وأتت تؤكد في خلاصتها على أقوال هاني، ليتوجه بعدها رئيس المحكمة إلى الضابط قائلاً: «أنت نقيب في الجيش ولا يجب أن يصل بك الأمر إلى هذه المرحلة، فإذا لم تستطع أن تضبط نفسك لخلاف على أفضلية مرور فهذه مشكلة، وانت بالتالي مسؤول عن حياة عسكريين وكان عليك أن تقدّر العواقب، وهذا خطأ غير مقبول». وعاد الضابط ليكرر بأنه «لم يهن علي أن أُضرب أمام أولادي».
ثم عرض رئيس المحكمة المصالحة بين المدعى عليهما اللذين ترددا في البدء، ليخرجا بعد ذلك من المحكمة وكأن شيئا لم يكن.