كتبت كلير شكر في “الجمهورية”:
تكثر الخطوات التنظيمية في «التيار الوطني الحر»، لكنّ الضمور الشعبي واحد. تتعدد الأسباب التي حوّلت الموجة البرتقالية من «تسوناني» جارف أكلَ الأخضر واليابس مع عودة زعيمها ومؤسسها الجنرال ميشال عون من المنفى، إلى حزب ذي امتداد جماهيري محصور، ولو أنه لا يزال الأول مسيحياً، لكن النتيجة واحدة: إهتمام مبالغ فيه بالشكل، لكن المضمون في خطر.
لا شكّ في أنّ تحدي التراجع الشعبي يؤرق قياديي التيار، وهو لا يزال طري العود، لكن ثمة تحديات أخرى لا تقل أهمية، لا يبدو أنها تحتل مساحة هامة على جدول اهتمامات القيّمين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر هوية التيار الوجدانية.
يوم انطلقت هذه الحركة، كانت عبارة عن تداعي عدد من الطلاب والأكاديميين الذين اتخذوا من النضال السلمي عنواناً لحراكهم وهدفاً له. كانوا متمرّدين على كل ما هو موروث سياسياً يتصرفون على أساس أنهم لا يريدون شيئاً لأنفسهم. ومع انتشار بقعة حضورهم في عمق النخب المسيحية، أخذت طروحاتهم أشكالاً متطورة تحاكي هموم المجتمع الاجتماعية والاقتصادية وتطلعاته.
لكنّ «التيار» اليوم وبعد وصول زعيمه إلى قمة الهرم الرئاسي، وبعد تجارب أكثر من 10 سنوات في قلب السلطة، شهد تبدّلات جذرية في هويته. بات جمهوره يشبه جماهير الأحزاب والتيارات التقليدية الأخرى. لا تمايز فعلياً بين أسلوب تفكير ذلك المنتمي الى حزب عمره 50 سنة وبين ذلك الحامل للبطاقة الرتقالية.
صارت المنفعة الشخصية خبزاً يومياً، والخدمة الفردية هدفاً أولياً، والموقع السلطوي أقصى الطموح. في المقابل على الحزبي أن يُتقن فنون التصفيق لزعيمه الذي صارت مواقفه «مُنزَلة» غير قابلة للنقاش أو الاعتراض.
ثاني تلك التحديات، وأصعبها، هي جنوحه وبشكل سريع نحو النظام الرئاسي الفردي، مهما حاولت القيادة تجميل التحديثات التنظيمية وتطويرها. فقبضة التيار بيد رئيسه، باعتراف العونيين، والهامش المتبقي لمَن هم حوله يكاد يكون معدوماً.
الأهم من ذلك، هو أنّ هذا النظام لا يشبه تركيبة «التيار» ومناقض لـ»حمضه النووي». ولهذا هناك من يقول إنّ حزب «التيار الوطني الحر» هو غير «التيار العوني» الذي نشأ من رحم حركة نضالية عفوية.
إذ يمسك رئيس التيار جبران باسيل بكل مفاصله الرسمية وغير الرسمية بحجة أنه نظام القرار الواحد. فيحتفظ لنفسه بكل الملفات السياسية الدقيقة، كالعلاقة مع «حزب الله»، وكذلك العلاقة مع الرئيس سعد الحريري، وكأن ليس في «التيار» قيادي آخر يستطيع مواكبة هذه الملفات والتخفيف عن كاهل رئيس الحزب بعض الشيء.
حجج وقرائن
ورغم هذه الملاحظات، يمكن لمسؤولي «التيار» سرد سيل من الحجج والقرائن التي تثبت برأيهم سلامة العمل الحزبي داخل مؤسستهم، وتحمي روح الديموقراطية التي تبث في شبكة العلاقات الممسكة بالهيئات الحزبية، ومنها المجلس السياسي الذي جرى تجديده منذ أسابيع قليلة.
لم يكتب للمجلس، الأول، النجاح في تجربته. ويفترض أن يعوّض المجلس الجديد هذا المطلب، كما يأمل أعضاؤه بعد تأكيد أحدهم أنه كان يؤمل أن تكون التجربة الماضية أفضل، خصوصاً أنّ الانتخابات النيابية التهمت حيّزاً واسعاً من اهتمامات مكوناته كون معظمهم كانوا مرشحين.
يعترف أنّ المجلس لا يتمتع بسلطة تنفيذية ودوره استشاري يقوم على أساس وضع السياسات العامة وتطوير مقاربات التيار واستراتيجياته، فيما تتولى الهيئة السياسية المؤلفة من رئيس الحزب (التيار) ووزرائه ونوابه الحاليين متابعة السياسة اليومية كون هؤلاء على تماس مباشر مع الأحداث اليومية.
ويقرّ بوجود تفاوت بين مكوناته، وتحديداً بين أصحاب المواقع الرسمية وبين بقية الأعضاء إضافة الى النواب والوزراء السابقين. للفئة الأولى القدرة على الوصول إلى قنوات المعلومات والمعطيات بطريقة أسرع وأسهل، فيما الآخرون ينتظرون الموعد الشهري للحصول على «فتات» المستجدات.
ومع ذلك، يعتقد المسؤول العوني أنّ المبادرة الفردية تؤدي دوراً بارزاً في تفعيل مهمة المجلس. ويقول: «ثمة مسؤولية ملقاة على الأفراد لتقديم اضافة في حضورهم من خلال متابعة ملفات متخصصة. ويمكن لهم المساهمة في نقل صورة «التيار» الى القاعدة والمناطق». وهي واحدة من نقاط ضعف المجلس القديم.
ولهذا هناك «توجّه لدى رئيس التيار لتخصيص الأعضاء بملفات محددة، لكي تكون لكل مسؤول القدرة في المساهمة في تفعيل دور المجلس وعمله. كما يسعى لتكون كل المناطق حاضرة في المجلس.
فقد بيّنت الانتخابات الأخيرة أنّ ثمة مناطق بحاجة الى رعاية أكثر كون حضور «التيار» فيها لا يزال طرياً وغير ثابت، وتحديداً في الأطراف كالجنوب والبقاع حيث سجّل التيار كتلة ناخبة لامست عتبة التمثيل، وبالتالي إنّ وجود أشخاص يحملون صوت هذه المناطق قد يساعد نوعاً ما في تثبيت الأرضية العونية وتحسينها».
اذاً، ثمة عامل شخصي وآخر موضوعي يتحكمان بفاعلية المجلس، وقد تمّت مناقشة هذا النقص خلال الخلوة التنظيمية التي جرت الأحد الماضي، حيث سيحاول «التيار» معالجة مكامن الخلل من خلال «توسيع مروحة التفاعل الداخلية ومبادرة الاعضاء للتخصص في ملفات محددة، وهو تحد لكل شخص لإثبات نجاحه أو فشله. وسيكون التعويض من خلال مدّ كل الأعضاء بخلاصات سياسية ومعطيات تساعدهم على المتابعة اليومية والظهور الاعلامي».
وعلى الرغم من الطابع الاستشاري الموثّق في كتاب «التيار»، الّا أنّ أعضاء المجلس السياسي يفاخرون بالهامش المُتاح لهم. يقول أحد المسؤولين: «ثمة نقاش صحي في المجلس فيما يقدّم رئيس الحزب عرضاً لآخر المستجدات والمعطيات ضمن حدودها والظروف المتاحة، وهو يطرح الأمور بشكل عام باستثناء بعض القضايا الدقيقة التي لا يمكن كشف تفاصيلها».
ويؤكد أنّ «باسيل يطلب رأي المجلس على الدوام، وعادة ما يستفتيه خصوصاً في القضايا الاشكالية، وهو يعود دوماً الى المجلس لاستشارته احتراماً لدوره وينتظر في المقابل من أعضائه تقديم مداخلات قيّمة ومنتجة تغني النقاش. فجسم التيار الذي يمثّله المجلس لا ينفصل عن رأسه».
ويذهب الى حدّ استعراض استحقاق التأليف الحكومي «حيث سأل باسيل أعضاء المجلس خلال الاجتماع الأخير عن رأيهم بأدائه في هذا الملف وما اذا كان هناك ما يستدعي التغيير أو التعديل في مقاربته؟ وإذ بالجواب يأتيه من غالبية الأعضاء بأنهم إيجابيون ومقتنعون بما يقوم به، وأكدوا أمامه أنّ «التيار» ليس مضطراً للخضوع لابتزاز قد يكرّس سوابق مرفوضة قد تصير أعرافاً في المستقبل».
في خلاصة ما تقدم، يعتبر هؤلاء أنّ تجربة التيار التنظيمية لا تزال في بدايتها وهي خاضعة للتجارب والنقاش، وكل ذلك في سبيل التطوير والتحسين.