شكر وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعال جبران باسيل خلال افتتاح اجتماع وزراء الخارجية العرب تمهيدا للقمة الاقتصادية والتنموية كل “دولة حضرت على اي مستوى كان بالرغم من الظروف السيئة المحيطة بمنطقتنا وببلدنا ونحن مسؤولون عن جزءٍ منها”؛ معربا عن اسفه “لأي دولةٍ لم تحضر لأننا كعرب لا نعرف ان نحافظ على بعضنا بل نحترف ابعاد بعضنا واضعاف انفسنا بخسارة بعضنا”.
ودعا باسيل خلال افتتاح اجتماع وزراء الخارجية العرب تمهيدا للقمة الاقتصادية والتنموية بعد تسلمه رئاسة الجلسة من المملكة العربية السعودية الى “جعل حضورنا واجتماعنا مناسبةً لاستنهاض انفسنا ولاعطاء رسالة امل بقدرتنا على الحياة والنهوض في مقابل محاولات انهائنا ومحوِ هويّتَنا وحضارتَنا وتنوّعَنا”.
وقال: “ما احوجنا اليوم لاستفاقةٍ سياسية اقتصادية تنمويّة تنشلنا من سُباتنا وترفعُ من قيمةِ الانسان العربي لتعيد له ثقته بذاته وترتقي بحياته لمستويات يستحقها، لأن لا هدف يعلو على الانسان، ولا شيء اغلى من حياة وعزةِ اهلنا ومواطنينا”، معتبرا اننا “نواجه تحديات كبيرة تبدأ من الحروب، وسوء التغذية، والفقر في معظم بلداننا بالرغم من غناها، والجهل للحياة العصرية بالرغم من عِلمنا، اضافة الى التعصب والتطرّف والارهاب، ناهيك عن تعنيف المرأة وعدم منحها حقوقها الاساسية، وتعنيف الطفل الذي لا زلنا لا نفقه بكامل حقوقه”.
واعتبر باسيل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية كثيرة ونحن مسؤولون عن تعاظمِها، لأنه بدَل تكاتُفِنا لحلّها ترانا نختلف اكثرَ لتكبرَ اكثرَ، وبدلَ التضامن لنخفِّفَ آثارها ترانا نشنّ الحروب على بعضنا ليشتدّ بؤسَها، مشيرا الى ان “النتيجة من الحروب هي ضربُ انسانِنا: تهجيرٌ ونزوحٌ ولجوءٌ للملايين، فنراهم هائمين، ضائعين ومشرّدين في اصقاع الارض، كمن اخذ حفنة من تراب الارض ونثرها فوق الارض… نراهم يقفزون على اوّل قارب نجاةٍ، او موتٍ، يبحرون فيه في مغامرةٍ اسوأُ ما فيها هوَ افضلُ من واقعِ حياته”.
باسيل قال: “ها هو اللبناني الرائد في الهجرة، حوّلَها الى قصة نجاح ليعيل من بقيَ من اهلِه، فلَحِقنا بمن بقى وزِدنا على بؤسِه بؤس اللاجئ الفلسطيني والنازح السوري ليزيد بؤسَهم جميعاً. حصل هذا في ظل الاحتلال والاستعباد، فهل يجوز ان يحصل ايضاً في ظل الاستقلال والحكم الوطني؟”، مؤكدا “اننا فشلنا في تحقيق ما تصبو اليه شعوبنا، او اقلّه في ابقائها في اوطانها، او على الاقلّ في اعادتها اليها، ولا زلنا لا نُبدي التضامنَ في حلِّ مشكلةٍ او مشاكلَ سبّبها بعضُنا لبعضِنا الآخر، دون ان يحملَ هذا البعض هَمَّ التفكيرِ حتّى بحلِّها، بل يكتفي بكلامٍ جميلٍ غيرَ مصحوبٍ بعملٍ جميل”.
وأضاف باسيل: “لم نحترم تجاه بعضِنا مبدأ تقاسم الاعباء ولا حتّى فكرة تقاسم الهموم، بل رَمَينا مشاكلَنا على بعضِنا، بل اكثر، رَمينا مشاكِلَنا على شعوبِنا في الداخل وحرمناهم من نِعَمِنا اعطيناه موارِدنا ومالَنا في مقابل تسليح لنقتل بعضَنا بدل َحمايةِ اوطاننا في وجهِ عدوّنا”، قائلاً: “لست هنا لالقاء اللوم على بعضِنا، بل للتأّمل سوياً والتساؤل: الم يحن الوقت بعد لصحوةِ ضمير، لاستفاقةِ مشاعر، ولاحياء روح التضامن؟ دون ان أُغفل من اعطى واكرم وساعد وضحّى وبذل حتّى دماً في سبيل أخيه”.
وسأل: “اذا كان لا سبيل بعد لصحوة سياسية على مستوى ما وصلنا اليه وكيفية الخروج منه، الا يجدر بنا ان نضع معاً خططاً مستقبلية، ولو نظريّة لتخفّف من ازماتنا، وترفع من مستوى حياتنا وتفتح الفرص امام شبابنا؟ واذا سبّبنا الحروب لبعضنا، الم يحن وقت اطفائها؟ الا يجب ان نفكّر بالعمران بدل الخراب؟ وهل يجوز ان نجازي ونعاقب من يفكّر باعادة الاعمار بدل ان نشجّعه ونساعده؟”
باسيل اكد ان “لا مستقبلَ دون تنمية ولا أُفقَ دون تطوّرٍ، وان لم نستلحق انفسنا بسرعة قطار التطوّر والمعرفة، سنخسر ما تبقّى لدينا، وسيسهل اكثر اختراق مجتمعاتنا من قبل التطرّف والارهاب، من قبل العدو الاحادي المتماهي معه والمتربّص بنا، ولن يكون لنا حتماً ربيع عربي بل شتاء غربي وسيستمّر قاسياً”.
وتوجه الى الحاضرين بالقول: “تعالوا معاً نضع رؤية اقتصادية عربية موحّدة، مبنية على مبدأ سياسي بعدم الاعتداء على بعضنا وعدم التدخّل بشؤونِ بعضِنا، هذا ان لم نُرد الدفاع عن بعضنا او صدّ عدوّنا المفترض ان يكون مشتركاً؛ مبدأ سياسي ضروري لكي نؤمّن الاستقرار”.
وأوضح: “كم جميلٌ مثلاً ان نخرجَ على شعوبنا، بسكّة حديد تربط بلداننا، بخط غازٍ يأخذ غاز لبنان الى العراق ونفط العراق الى لبنان، وبربط كهربائي، وبمرافئ تجعل المتوسط على حدود العراق والبحر الاحمر على حدود سوريا، وبسدودٍ من لبنان تغذّي الاردن وبمعامل من الاردن تغذّي لبنان و كم جميل ايضاً ان نخرج بخطّة اعادة النازحين واللاجئين الى ارضهم، بمعزل عن رغبة من هجّرهم، لأن من هجَّرَهم يريد ابقاءَهم، اما نحن المستقبلين لهم نريد عودتهم الكريمة ولا احد يمكن ان يمنعنا من ذلك اذا جعلناها كريمةً لهم، ومفيدة لاقتصاد بلدانهم وكم جميل اكثر لو نفتح الانتماء بين بلدانِنا لنحوّلَ نقمةَ المذهبية المهيمنة على بلدانِنا الى نعمة المواطنة لمشرقنا، بحضارته وتعدّديته”.
باسيل رأى أن “سوريا هي الفجوة الاكبر اليوم في مؤتمرنا، ونشعر بثقل فراغها بدل ان نشعر بخفّة وجودها. وسوريا يجب ان تعود الينا لنوقف الخسارةَ عن انفسِنا، قبل ان نوقفها عنها”. وأضاف: “سوريا يجب ان تكون في حضننا بدل ان نرميها في احضان الارهاب، دون ان ننتظر اذناً او سماحاً بعودتها، كي لا نسجّل على أنفسنا عاراً تاريخياً بتعليق عضويتها بأمرٍ خارجي وباعادتها باذنٍ خارجي، وكي لا نضطر لاحقاً الى الاذن لمحاربة ارهاب او لمواجهة عدو او للحفاظ على استقلال”.
ولفت الى ان “لبنان مهما اخفق او اخطأ، يبقى هذا البلد الصغير الكبير، اخاً صغيراً لكم ورسالةً كبيرةً لكم. احتضنوه ولا تتركوه، فهو لم يطعن يوماً احداً منكم ولم يعتدي يوماً على اي مواطن عربي، بل كان ملجأً وحامياً وحافظاً لشعوبكم ومعمّراً لبلدانكم، ومستوعباً لتنوّع حضاراتكم وثقافاتكم”، خاتماً: “لبنان مهما اخفق او اخطأ يبقى البلد الصغير الكبير، اخاً صغيراً ورسالةً كبيرةً لكم. احتضنوه ولا تتركوه فهو لم يطعن يوماً احداً ولم يعتد على اي مواطن عربي، بل كان ملجأً وحامياً وحافظاً لشعوبكم ومعمّراً لبلدانكم، ومستوعباً لتنوّعكم… لا تخسروه كي لا تخسروا عروبتكم وجامعتكم”.