إنتهت فترة السماح للبنان في أن يكون في المنطقة الرمادية في الخيارات السياسية الإقليمية، وهو عملياً لم يكن في هذه المنطقة، بل كان محسوبا على محور الممانعة إلى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية والنظام السوري. وما هو مطلوب منه اليوم بالفعل هو أن ينتقل إلى المحور المقابل، محور الولايات المتحدة والدول الخليجية في مواجهة إيران و”حزب الله” والنظام السوري.
إن انخرط لبنان الرسمي في المحور الإيراني بطريقة أو بأخرى لم يكن خافيا على أحد، وينسحب هذا الأمر في شكل خاص على رئاسة الجمهورية والحكومات المتعاقبة ولاسيما في وزارة الخارجية، وقد أمن هؤلاء الشرعية لـ”حزب الله” في مقاومته وتدخله في عدد من الدول العربية.
في هذا المحور دفع لبنان حتى اليوم أثمانا كبيرة وستكبر، ولن يكون آخرها هزالة الحضور في القمة الاقتصادية. لقد دفع لبنان ثمن انتمائه إلى هذا المحور تدابير ودعاوى بحق المصارف اللبنانية وعقوبات طالت “حزب الله” وأفراداً منه ومتعاونين معه، إضافة إلى لامبالاة عربية ولاسيما خليجية حيال وضعه الاقتصادي والمالي، وصولا إلى التهديد بفرض عقوبات على أي شركة أو كيانات أو أشخاص يشاركون في إعادة إعمار سوريا في ظل غياب الرعاية الأميركية والعربية.
في المقابل يحاول المحور الأميركي- الخليجي أن يغري لبنان بالابتعاد عن المحور الإيراني واعدا بحوافز كثيرة، تبدأ بتحسين الأوضاع المالية والاقتصادية ودعوة الرعايا العرب والأجانب للعودة إلى لبنان، والمشاركة في إعمار سوريا والتنعم بوضع أمني مستقر وثابت عند كل الحدود وفي الداخل ومن ضمنه وقف الخروقات الاسرائيلية والمساعدة في قيام دولة فعلية تملك قرارها ولا سيما قرار الحرب والسلم.
في هذا المجال يبرز عنوان سلاح “حزب الله”، ويدرك الضاغطون على لبنان أنه لا يتحمل في داخله نزاعا حول هذا الموضوع لأنه سيؤدي إلى انفجار البلد، وبالتالي يعمل هؤلاء على محورين: المحور الأول هو الضغوط والعقوبات الممارسة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية بغية إضعافها وجرها إلى طاولة مفاوضات بالشروط الأميركية ويكون سلاح الحزب من الأوراق المطلوب التخلي عنها. أما المحور الثاني فهو داخلي لبناني يعتمد على إثارة الخلافات السياسية والضغوط الاقتصادية والمالية وتحميل “حزب الله” المسؤولية عن ذلك لتأليب الرأي العام ضده وارتفاع الأصوات التي تطالب بنزع سلاحه.
وفي خضم كل هذا الحديث قد يسأل البعض عن الدور الروسي وفي أي محور يريد للبنان ان يكون، وتبدو الإجابة واضحة في الكثير من المواقف والتطورات وهي إجابة لا تتناول الوضع اللبناني في المباشر إذ كيف تسمح روسيا لإسرائيل بالاعتداء على سوريا وجيشها والقوات الإيرانية و”حزب الله” الموجودين هناك؟
لا يحسد لبنان على الخيارات المطروحة أمامه، وهو في كل الحالات سيعاني وسيدفع مواطنوه الثمن لأن عنوان المرحلة هو “يا منحط يا منط”.