كتبت راجانا حمية في صحيفة “الاخبار”:
قيّم المجلس الوطني للبحوث العلمية أسباب السيول التي ضربت منطقة رأس بعلبك، منتصف حزيران الماضي، وخرج بخلاصة تختصر حال النظام برمّته: ما حدث لم يكن فقط بسبب «غضب» الطبيعة، وإنما أيضاً بسبب تقاعس الوزارات عن القيام بواجباتها لتنظيف مجرى السيل، ناهيك عن فساد البلديات وتعدي المواطنين على المجرى
«ليس صحيحاً أن كلفة معالجة ما تسببت به سيول منطقة راس بعلبك تتطلب الملايين من الليرات، إنما تتطلب بعض التنسيق بين الإدارات والمؤسسات المعنية، وأن تتحمل البلديات مسؤولياتها، والمواطنون أيضاً».
يصحّ أن تكون هذه العبارة أبرز خلاصات التقييم الذي أعدّه «المجلس الوطني للبحوث العلمية» (بتكليف من الأمانة العامة لمجلس الوزراء) للسيول التي ضربت منطقة راس بعلبك في حزيران الماضي. مع ذلك، تحتمل تلك الخلاصة التعميم، فهي ليست نهاية استثنائية لحدثٍ استثنائي، وإنما نهاية متوقعة للسيول والكوارث الطبيعية التي ضربت وقد تضرب البلاد لاحقاً. ففي معظم الكوارث الطبيعية (عواصف وسيول) غالباً ما ينتهي الأمر بالتعويض على المتضررين، من دون معالجة أسباب المشكلة.
في التقييم الذي أعدّه الباحث في المجلس الدكتور شادي عبدالله، يصلح أن يكون سيل راس بعلبك نموذجاً لما يجري في مناطق أخرى. ليس للطبيعة هنا «اليد الطولى» في ما حصل، وإنما السبب الأول، والأساس، هو التقاعس الرسمي والمحلي وسوء التنسيق. وفي حالة راس بعلبك، فتشوا عن الدولة والبلدية والمواطنين.
لم يكن هناك سبب واحد لحدوث الكارثة، ثمة مجموعة أسباب «تشابكت كلها وأوصلت إلى الكارثة». وهي في الأصل تختصر حكاية الدولة وكيف تسيّر أحوالها. في المقام الأول يمكن الحديث عن منشآت بنيت على طول مجرى السيل لدرء مخاطر الفيضانات. بعد كل سيل، يفترض تنظيف حفر تلك المنشآت التي يتراوح عمقها بين 5 و10 أمتار. هذا ما يقوله المنطق، أما ما حدث في 13حزيران فهو أن هذه المنشآت «كانت ممتلئة من الشتوة التي أتت في 27 أيار الماضي، وعندما جاء السيل لم تعد تلك الحفر قادرة على استيعاب المزيد ففاضت». وهنا، يصحّ السؤال عن مسؤولية من يفترض أن يقوم بالتنظيف والصيانة. ناهيك عن أن «بعض هذه المنشآت كانت مخلخلة بسبب العمليات العسكرية التي كانت تدور هناك». أما جدران الدعم المبنية على طول السدّ، فقد تبيّن أنها تعاني خللاً بنيوياً. أتاها السيل فرماها.
وهذا ليس مشهداً سوريالياً، وإنما هو واقع «الدعم» الذي تقوم به البلديات. في ثالث الأسباب، يأتي العامل الإنساني الوحشي، من الإمعان في قطع الأشجار، مروراً برمي الأوساخ في مجرى السيل حتى صار مكباً، وصولاً إلى التعديات على المجرى الذي تمكّن الأهالي مع الوقت من «تكويعه» وحرفه عن مساره. ويمكن الحديث أيضاً عن الجسور السبعة التي بنيت فوق المجرى بلا أي دراسة، والتي تسببت في السيل الأخير «باحتقان المياه وانفجارها بهذه الطريقة».
أضف إلى ذلك كله غياب البنى الأساسية ونظام الإنذار المبكر ومحطات قياس كمية الأمطار المتساقطة. رغم تكرار السيول في تلك المنطقة، لا يزال المطلب واحداً: نظام الإنذار المبكر. «السيل في الراس احتاج ساعتين للوصول إلى المنطقة. من هنا يساعد الإنذار المبكر بالتحضير واستباق الكارثة، حيث يمكننا معرفة الأماكن الأكثر خطورة والتي تستوجب عملية إخلاء وتحديد خطة الإستجابة التي يمكن القيام بها».
في النهاية، خلص التقرير إلى جملة من التوصيات منها «إعادة تأهيل المنشآت الموجودة وإقامة حملات تشجير كون الأشجار تساعد على تماسك التربة، وتعديل مجرى النهر من خلال إزالة التعديات القائمة، وإعادة النظر بالجسور الموجودة وتأهيل جدران الدعم».
توصيات لا تخص فقط تجربة راس بعلبك، ولكن يصلح معها التعميم أيضاً، فالمشاكل التي تتطلب الحلول من التعدي على الأملاك النهرية إلى غياب نظام الإنذار إلى قطع الأشجار إلى البناء العشوائي هي أيضاً مشاكل بلدٍ بحاله. والحل؟ بإعادة النظر في النظام الكلي.
يذكر أن هناك 7 مجاري سيول معرضة للفيضان في المنطقة وهي مجرى وادي الخنزير ووادي فيسان ووادي التركمان والقاع وعرسال والفاكهة ويونين ونهر اسطوان والنهر الكبير.