كتب ايليا ج. مغناير في صحيفة “الراي” الكويتية:
ترامب سينسحب… ترامب لن ينسحب… القوات الأميركية بدأتْ الانسحاب… سنخرج من سورية وسنُبْقي على 20 ميلاً (32 كيلومتراً) كمنطقة عازلة على الحدود السورية.
كلها تصريحاتٌ أدلى بها الرئيس الأميركي عديم الخبرة في السياسة الخارجية خلال أقلّ من شهر واحد ولم يصدّقه أحد لغاية اليوم ما عدا تركيا التي هدّدها دونالد ترامب بضرب اقتصادها، ليصالِحها بعد ساعات ويطلق العنان لخطةٍ جديدة يسرّبها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن نيته إنشاء منطقة عازلة بمساعدة تركيا «ليحمي الأكراد»، (بحسب زعْمه)، ألدّ أعداء تركيا.
من غير الضروري فهْم ما يقوله ترامب أو تحليل خطّته المقبلة لأنه هو نفسه لا يعرفها، إذ ينام على قرار ويصحو على قرار مضاد أو معدَّل. إلا ان تَقَلُّبه كتقلُّب الطقس الشتائي لم يمنع غريمه في سورية والعراق الجنرال قاسم سليماني – القائد في الحرس الثوري الإيراني – لواء القدس والمسؤول عن «حركات التحرر» في العالم ولا سيما توفير الدعم لـ «حزب الله» اللبناني وتنظيمات عراقية ويمنية وأفغانية وغيرها – من التهيؤ للتصدي لمخطط ترامب في سورية والعراق (وأفغانستان واليمن طبعاً).
وتقول مصادر مطلعة، إن «الجنرال سليماني يعقد لقاءات متواصلة مع الحلفاء في الشرق الأوسط للعمل على مواجهة خطط ترامب للبقاء في سورية والعراق». وتؤكد المصادر ان إيران – وكذلك روسيا – لا تثق بما يعلنه ويتراجع عنه ترامب، وتعتقد أن أميركا لا يمكن أن تنسحب كلياً من سورية وان قواتها ستبقى إلى أمد بعيد جداً لإعادة رسم الخطط اللازمة وخصوصاً بعد أن تنتهي آخر معاقل «داعش» الموجودة شرق نهر الفرات في المناطق القريبة من الحدود السورية – العراقية.
وتؤكد المصادر ان «الرئيس بشار الأسد اتفق مع مسؤول الأمن القومي العراقي فالح الفياض – أثناء زيارته الأخيرة لدمشق – على ضرورة تفعيل قوات العشائر في المنطقة التي تجمعها عشائر سورية والعراق في آن واحد».
وحسب المصادر، فإن «الرئيس الأسد أعطى الضوء الأخضر للعراق لدخول قواته – ومن ضمنها الحشد الشعبي – إلى سورية لمحاربة داعش والقضاء على التنظيم في مناطق شرق الفرات ما دامت أميركا لا تريد إنهاء هؤلاء».
وتعتقد ان «القوات الأميركية تستطيع ضرب القوات العراقية – كما فعلت في السابق على الحدود نفسها أو كما ضربت مرتين القوات السورية أثناء تقدمها لقتال داعش – إلا أن هذا سيجبر الحكومة العراقية، من خلال البرلمان المهيّأ لذلك، على الطلب من أميركا إخراج قواتها من القواعد العسكرية. هذا أقلّه، إذ من المحتمل أن تصبح القوات الأميركية أيضاً عرضة للضرب في بلاد الرافدين من خلال أنصار الحشد الذين لا يريدون رؤية القوات الأميركية في بلادهم وهم على يقين من أن الإدارة الأميركية هي سبب مصائب الشرق الأوسط مع حلفائها التابعين لها»، حسب المصادر. إذاً يتحضّر المحور المعادي للهيمنة الأميركية في المنطقة لمجابهة بقاء واشنطن واحتلالها لجزء من سورية ولا سيما بعدما سال لعاب تركيا على «خط الفصل» بعرض 32 كيلومتراً الذي تكلم عنه ترامب ويتحضّر الرئيس رجب طيب أردوغان لتنفيذه متسلّحاً برغبة أميركا في ذلك.
وهذا من الممكن أن يقلب الطاولة على رأس الجميع. فمن ناحية سيكون هناك تحضير للعشائر العربية في المنطقة، ومن ناحية أخرى سيقترب الأكراد الموالون لدمشق من العمل العسكري ضدّ أميركا في سورية من خلال توفير البيئة الحاضنة لإنهاء الاحتلال التركي أو الأميركي (حسب خطة ترامب المستقبلية الغامضة). ومن ناحية العراق فإن ايران معروفة بمحاربتها خصومها الأقوياء من خلال حلفائها المحليين.
فقد طلبت أميركا من إيران عدم مهاجمتها في أفغانستان وممارسة نفوذها على «طالبان» لوقف العمليات العسكرية ضدها. كما طلبت من العراق منْع العمليات ضدها من خلال حلفاء إيران. ولكن مقابل هذه الطلبات هناك طلبات أخرى وأهمّها الخروج من سورية… وإذا لم يحصل ذلك، فإن الشمال السوري سيكون حاراً جداً هذه السنة.