كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: تسعى الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولي للتصدي للمشاريع الإيرانية التوسعية في المنطقة، على وقع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران؛ وهو ما يدفع إلى الشعور بأن المنطقة مقبلة على أحداث كبيرة، قد تكون الحرب ضد طهران أحد احتمالاتها إذا ما أصر النظام الإيراني على المضي في مشروع التسلح خارج الأطر القانونية.
ومن أجل التعرف على تأثير العقوبات والاحتمالات المستقبلية التقت “العرب” بالدكتور سنابرق زاهدي رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي يصف الوضع الداخلي في إيران اليوم بقوله إنه “متفجّر”، مستحضرا ما جاء في تقارير من معاقل الانتفاضة من داخل إيران بأن حوالي 529 حركة احتجاجية وقعت خلال شهر ديسمبر الماضي في أكثر من 103 مدن من قبل مختلف شرائح الشعب، وهذا يعادل 17 حركة احتجاجية يوميا ضد النظام.
بعد انسحابها من الاتفاق النووي، أعادت الإدارة الأميركية العمل بنظام العقوبات الاقتصادية لمواجهة إيران، لكن، سنابرق زاهدي يؤكد أنه لا يمكن الرهان فقط على تداعيات العقوبات لإضعاف النظام، مشيرا إلى أن العامل الرئيس للتغيير في إيران هو الشعب الإيراني ومقاومته. وكل شيء آخر يأتي كعامل مساعد لهذه المعادلة.
بعد الاتفاق النووي هرع الكثير من الشركات الغربية إلى طهران وبلغ حجم تصدير النفط الإيراني من مليون برميل إلى أكثر من مليونين ونصف المليون برميل يوميا. كما أن الاتفاق أدّى إلى الإفراج عن مئة وخمسين مليار دولار من الأموال المجمّدة الإيرانية. لكن هذه الأموال الهائلة لم تحسّن شيئا في المستوى المعيشي لأبناء الشعب الإيراني، بل بالعكس بلغ عدد المواطنين تحت خط الفقر أكثر من 40 مليون شخص، أي نصف سكّان إيران، وارتفعت نسبة البطالة وكذلك الأسعار بشكل جنوني… والسبب واضح: الأموال التي حصل عليها النظام صرفها في تصدير الحروب إلى سوريا واليمن والعراق وأعطاها لحزب الله والحوثيين، أو أنفقها لتوسيع مشاريعه الصاروخية والنووية، أو ذهبت إلى حسابات الملالي وقادة الحرس الثوري.
ويرى المعارض الإيراني أن ما تشهده إيران من احتجاجات تثبت أن النظام يفقد السيطرة تدريجيا، والاحتجاجات الأخيرة تأتي لتكون ذروة احتجاجات سابقة. ويستحضر في هذا السياق ما حدث في يوم عاشوراء من العام 2009 (27 ديسمبر) عندما نزل الملايين من أهالي طهران إلى الشوارع واستولوا على مناطق مختلفة من طهران العاصمة، كاد النظام يفقد السيطرة على العاصمة. كما أن في انتفاضات العام الماضي خرجت عدة مدن من سيطرة النظام، مثلا في انتفاضة أهالي مدينة كازرون في شهر مايو من العام الماضي خرج مركز هذه المدينة من سيطرة قوات النظام. كما أن أحياء من مدينة الأحواز خرجت عدة مرات من سيطرة النظام، وخرجت بعض المدن الصغرى، كمدينة درود أو بلدة قهدريجان، من سيطرة النظام في شهر يناير من العام الماضي، وهذا معناه أن أبناء الشعب لما يأتون إلى الشوارع فبإمكانهم السيطرة على المدن بمساعدة المجموعات المنظمة.
وكتب المحلل السياسي المحسوب على التيار الإصلاحي سعيد حجاريان في صحيفة «مشرق نيوز» في 11 يناير 2019 أشار فيه إلى الجوّ المتفجّر في المجتمع. وقال«في حركة الفقراء المعدمين ضد الأثرياء الناس يبحثون عن إمكانيات العيش وفي الحركات الأخرى يبحثون عن الديمقراطية، فإذا اصطفّوا أمام بعضهم البعض فسترى أن طهران من جنوبها إلى شمالها ستصبح ثوريّة بالكامل».
وواجه النظام، المعروف بعنفه، الاحتجاجات بالقمع. لكن زاهدي يؤكد أن موازنة القوى في إيران بين النظام والشعب بكافة أطيافه وأعراقه وأديانه وطوائفه. وفي هذه المعادلة لن يكتب النجاح لنظام أفقر الشعب أكثر من خمس مرات منذ أن جاء إلى السلطة وأعدم أكثر من مئة وعشرين ألفا من أبناء إيران بسبب تطلعهم نحو إيران حرة وديمقراطية.
وفي هذه المعادلة لن تفيد النظام الأسلحة والمعدات العسكرية والصواريخ. هذه الحقيقة ماثلة أمام النظام ولذا نرى أن نائب مجلس النظام يقول “عندما سقط الاتحاد السوفييتي كان يملك 13 ألف رأس نووي ونفوذا في 20 دولة في العالم ومحطة فضاء، لكنه تفكك في شوارع موسكو”. نعم هذا النظام سيسقط بيد الشعب الإيراني والمقاومة داخل إيران.
في حديثه عن حدود شعبية النظام الإيراني، يستحضر زاهدي نتائج عملية استطلاع رأي شمل أكثر من ثلاثة وثمانين ألف إيراني، حيث قال 97 بالمئة من المستطلعة آراؤهم إنهم لن يشاركوا في الانتخابات القادمة. كما يرى 70.65 بالمئة أنه على الاتحاد الأوروبي مساعدة القوى المطالبة بإسقاط النظام.
وبعيدا عن هذا الاستطلاع ومدى صحته، يشير المعارض إلى أحاديث العديد من أبناء النظام عن نفاد شعبية هذا النظام، حيث قال محمد باقر قالي باف، مرشّح الرئاسة وعمدة طهران سابقا، إن 4 بالمئة فقط من سكان إيران يؤيدون النظام. كما أن عبدالله جواد آملي أحد كبار رجال الدين قال قبل أشهر “لو انتفض الشعب سيلقي بنا في البحر، رغم أن الكثيرين هربوا من البلاد، لكن نحن ليس لدينا مكان نهرب إليه”.
ويشير زاهدي قائلا إن أبرز دليل على مدى أثر العقوبات على النظام الإيراني هي الميزانية التي قدّمها الرئيس حسن روحاني للعام القادم الإيراني (عام 1398 الذي سيبدأ من مارس المقبل). حجم هذه الميزانية يساوي حوالي 47 مليار دولار وميزانية العام الحالي (1397) تعادل حوالي 110 مليار دولار. وهذا معناه أن ميزانية الدولة مفلسة، وتدنت إلى أقلّ من النصف خلال عام واحد. لكن في هذه الميزانية أيضا ارتفعت حصة قوات الحرس مقارنة بالعام الحالي.
كما أن حجم تصدير النفط الذي كان أكثر من مليونين ونصف المليون برميل قد تدنّى الآن إلى أقل من مليون برميل.
ويختم مؤكدا مرة أخرى على أن العقوبات لا علاقة لها بالشعب الإيراني الذي يعيش أحلك أيام تاريخه ولا يبحث عن التخلص من مشاكله من خلال رفع العقوبات أو غير ذلك بل من خلال التخلص من هذا النظام بكامله.