كتب نظير مجلي في صحيفة “الشرق الأوسط”:
مع التأكيد أن إسرائيل نجحت في تقليص الوجود الإيراني في سوريا وأعادت التنسيق مع الجيش الروسي لمنع الاحتكاك بينهما على أراضي الشام وأجوائها، أعلنت مصادر في تل أبيب، أمس، أن الإيرانيين نقلوا نشاطهم إلى العراق ونصبوا بطاريات صواريخ حديثة موجهة إلى جميع دول المنطقة العربية، وكذلك ضد إسرائيل. ووجهت رسالة إلى طهران مفادها بأنها لن تتردد في قصف هذ الصواريخ أيضا.
وأكدت المصادر أن قادة الجيش الإسرائيلي طرحوا موقفهم في كل هذه القضايا أمام نظرائهم الروس، الذين بحثوا في تل أبيب، خلال الأيام الثلاثة الماضية، إعادة التنسيق الأمني بينهما.
وقبل أن يغادر الوفد الروسي تل أبيب، أمس، أعلن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أن الوفدين الروسي والإسرائيلي توصلا إلى تفاهمات جديدة تصحح المسار السابق وتعيد التنسيق الأمني إلى درجة عالية تمنع الاحتكاك بينهما.
وكان الوفد الروسي قد أجرى سلسلة «لقاءات عمل» في تل أبيب، مع وفد من كبار الضباط الروس، اختتمت مساء أول من أمس. وبحسب بيان الجيش الإسرائيلي، فإن «اللقاءات جرت في أجواء جيدة ومهنية وشملت مباحثات حول دفع نظام عدم الاحتكاك بين الجيشين في الجبهة الشمالية وعمليات الجيش الإسرائيلي ضد التموضع الإيراني وتسلح حزب الله في سوريا». وأضاف البيان الرسمي أنه «تم التوصل إلى تفاهمات بين الجانبين وجرى الاتفاق على استمرار العمل المشترك».
ولخصت مصادر إسرائيلية هذه اللقاءات بالقول إن بالإمكان الحديث الآن عن انتهاء الأزمة في العلاقات الروسية – الإسرائيلية، التي نجمت منذ إسقاط طائرة التجسس الروسية في الأجواء السورية ومقتل ركابها الـ15، في سبتمبر (أيلول) الماضي، بصواريخ سورية ضالة، أطلقت بعد غارة إسرائيلية في سوريا وأصابت الطائرة الروسية بالخطأ. وقد حملت روسيا إسرائيل مسؤولية إسقاط الطائرة في حينه وعبرت عن غضبها بعدة تصريحات وممارسات، بينها التراجع عن التنسيق الأمني. وفي الشهر الماضي أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتفق خلالها على طي صفحة الخلاف والعودة إلى التنسيق. وعزت هذه المصادر موافقة بوتين إلى إعلان نتنياهو أن حكومته تؤيد الجهود الروسية للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة الروسية وأنه لن يشوش على هذه الجهود. وبالمقابل أبدى بوتين «مرونة» في التعاطي مع القصف الإسرائيلي في سوريا. ولم يستنكر الغارات الأخيرة.
وفي السياق ذاته، أكدت المصادر الإسرائيلية، أن «إيران، ورغم تصريحات قادتها التي اتسمت بالعربدة وزعمت أن أي إيراني لم يغادر سوريا في السنوات الأخيرة، فإن إسرائيل سجلت أمامها أن الجيش الإيراني سحب معظم قواته وأبقى على ميليشيات شيعية أجنبية قادمة من أفغانستان وباكستان وغيرهما، وقوامها 11 ألف عنصر، إضافة إلى 9 آلاف مقاتل من حزب الله اللبناني». لكن هذا لم يبعث على الارتياح في إسرائيل لأن الإيرانيين وجدوا البديل في حشد قوات كبيرة لهم في العراق توجه أسلحتها إلى إسرائيل.
وقال ألكس فيشمان، المحرر العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن هذا التصرف كان عبارة عن «خطوة خبيثة»، لأن «إطلاق نار من الأراضي العراقية لن يوفر لإسرائيل ذريعة لمهاجمة سوريا أو لبنان وكان سيضعها أمام معضلة. فمثل هذا الهجوم على العراق يستوجب تنسيقا مع الولايات المتحدة، وهذه كانت قد أبلغت إسرائيل بأن أي عملية عسكرية في العراق ستشكل خطرا على الجنود الأميركيين الذين يدافعون عن النظام في بغداد ويتطلب تنسيقا مع دول مجاورة من أجل أن تسمح للطائرات الإسرائيلية بالعبور في سمائها. وواضح أن هذه الدول لن تتعاون مع إسرائيل لمهاجمة دولة عربية».
وقال فيشمان بأن محاولة التموضع الإيراني في سوريا تم لجمه في هذه الأثناء، لكن «هجوما إيرانيا ضد إسرائيل من الأراضي العراقية ما زال سيناريو واقعيا. ولكن إسرائيل تجري حسابات حول هذا التطور لم تبت به بعد».
يذكر أن إسرائيل سبق وقصفت العراق ودمرت مفاعلا نوويا فيه سنة 1990. بالتنسيق مع الولايات المتحدة. ورد الجيش العراقي يومها بقصف صاروخي فاق 40 هدفا قويا في إسرائيل. فأعد الجيش خطة حربية إسرائيلية ضد العراق، لكن الأميركيين كفوا يدها. واستعرض قائد سلاح الجو الإسرائيلي في حينه، أبيهو بن نون، خطة هجومية خلال هذه المداولات، وقال «إنني أوصي بأن نأخذ حيا في مدينة الرمادي، الواقعة غربي بغداد، ومحوه بواسطة 80 طنا من القنابل»، فيما أوصى قائد سلاح البحرية، ميخا رام، «بإغراق أربع سفن تجارية عراقية». وقال الضابط في سلاح الجو، أمير ناحومي، إنه «إذا لم ترد إسرائيل، سيحاول العراقيون إطلاق سلاح كيماوي». وطرح قائد الفيلق الشمالي في الجيش الإسرائيلي يورام يائير، «خطة درج» تقضي بقصف سدّين على نهر دجلة وتدميرهما، والتسبب بفيضانات وإلحاق أضرار بالغة بمناطق سكانية عراقية. لكن بن نون تحفظ من هذا المخطط وأسقطه. إلا أن هذا المخطط الهجومي تم بحثه قبل ذلك بثلاثة أشهر، بطلب من وزير الأمن في حينه، موشيه أرنس، وقضى المخطط بتدمير سدود على نهري دجلة والفرات وتديرها.
واعتبر فيشمان أن حرب الخليج الأولى هي «سابقة سيئة»، خاصة بالنسبة للأحداث والتطورات الحالية، وأن هناك عدة دروس منها. وبحسبه، فإنه «عندما يجهز رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، أفيف كوخافي، الجيش لفترة ما بعد الحرب الأهلية في سوريا، عليه أن يأخذ بالحسبان أن إسرائيل تخضع لضغوط سياسية تمنع حرية عمليها، سواء كان هؤلاء الأميركيون في إيران أو الروس في سوريا». وأضاف أن الدرس الثاني من حرب الخليج هو أن «الجيش الإسرائيلي لم يكن جاهزا لتغيير التهديدات الإقليمية. وتبلورت الخطط العسكرية خلال الحرب، والجيش نفسه لم يكن مقتنعا أنها ناضجة. ومن أجل الوقوف ضد الضغوط ينبغي على المستوى السياسي أن يكون واثقا من أن لديه جيشا يملك قدرات حقيقية، وإلا فإن الصراع السياسي خاسر». والدرس الثالث متعلق بالدول المجاورة بالأساس: «خلال حرب الخليج أعدت إسرائيل خططا عقابية شديدة للغاية. ولم تنفذها لأنها لم تكن مستعدة لذلك من الناحية السياسية والعسكرية والاستخبارية. لكن جهوزيتها لضرب سكان مدنيين، من خلال التسبب بضرر هائل لدولة عدو، متوفرة اليوم أيضا. كما أن القدرات الاستخباراتية والعملانية في المسافات البعيدة متوفرة. وعلى العدو أن يعلم أن الأمر الوحيد الذي سيمنع في المستقبل إسرائيل من مهاجمة مدن كبيرة ردا على مهاجمة أهداف مدنية في أراضيها، هو جهوزية المستوى السياسي لذلك».