كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: رغم كل التحدّيات التي «عصفتْ» بها، تُلاقي القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في بيروت اليوم في مقرراتها المرتقبة البُعد الاستراتيجي الذي يُمليه انعقادها على تَقاطُع سياسي – تنموي بالغ الأهمية يضرب مواعيد مع أكثر من محطة عربية وعالمية.
ومن خلف ملابسات المستوى المخفوض وغير المسبوق بحجمه في تاريخ القمم العربية على أنواعها لتمثيل الدول المُشارِكة (21 دولة) و«خطوط الانقسام» العربي والجِراح المفتوحة في أكثر من مكان، يطلّ العرب في الدورة الرابعة من القمة، التي كانت وُلدت في الكويت (2009)، بعنوان «الإنسان محور التنمية: الاستثمار في الإنسان»، و«الازدهار من عوامل السلام»، في محطةٍ طموحة مزنّرة بـ«حقل ألغام» من التعقيدات السياسية والأمنية في المنطقة.
وعشية مؤتمر القمة، تقاسَم المشهدُ المحيطُ به مسألتان: الأولى «التحرّي» عما اذا كان مستوى التمثيل المخفوض يعني ان التظاهرة التنموية – الاقتصادية لن تؤتي ثمارها وهل المقصود توجيه رسالة سياسية سلبية تجاه البلد المضيف (لبنان). علماً أن حضور القادة كان يقتصر على رئيس واحد (موريتانيا بعد اعتذار رئيس الصومال) قبل أن يتبلّغ لبنان أمس أن أمير قطر الشيخ تميم بن خليفة آل ثاني سيصل الى بيروت اليوم لترؤس وفد بلاده، في تطورٍ أعقب اتصالاتٍ على أعلى المستويات بين قيادتيْ البلدين، وهو ما أكده كشْف «وكالة الأنباء القطرية» أن الشيخ تميم تلقى اتصالاً من الرئيس ميشال عون «جرى خلاله استعراض أبرز الموضوعات المدرَجة على جدول أعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية». علماً أنّ بعض الأوساط لم تستبعد حصول مفاجآت على مستوى الحضور اليوم.
والمسألة الثانية استكمال نصاب التحضيرات لإنجاز البيان الختامي وإعلان بيروت بحيث ترْسم القمةُ الاستراتيجيةَ العربية لملاقاة أهداف التنمية المستدامة 2030 التي وضعت الأمم المتحدة خطّتها، وتمهّد للقمة العالمية للتنمية المستدامة التي تنعقد هذه السنة وتوفّر الأرضية للتقرير الذي سيُرفع الى هذه القمة حول جهود المنظومة العربية لتحقيق أهداف خطة 2030.
ورغم ان العرب بدأوا وكأنّهم «فهموا الرسالة» التي شكّلها حرْق العلم الليبي (قبل أيامٍ من القمة) تحت سقف رفض حلفاء النظام السوري وإيران مشاركة طرابلس الغرب في القمة (بحجة عدم تعاونها مع ملف الإمام موسى الصدر) واعتراضهم على عدم دعوة سورية ما أوحى بأن لبنان «رهين» للمحور الإيراني، فقد برز حرصٌ من الجامعة العربية على الفصل بين مستوى التمثيل وبين نجاح القمة، فيما حاولت «الدولة الضعيفة» استيعابَ صدمة المشاركة الهزيلة ورسائلها عبر تأكيد الانتماء العروبي للبنان والاعتذار الضمني عن دفْع ليبيا الى المقاطعة عنوةً.
ولم يكن أكثر دلالةً عن استشعار لبنان الرسمي بوطأة «الأضرار» الناجمة عن الانطباع بأن بيروت قد تخسر «المظلّة» العربية من «مبادرةٍ مزدوجة» قام بها وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بعد تسلّمه رئاسة الاجتماع المشترك لوزراء الخارجية والوزراء المعنيين بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري للقمة (انعقد بعد ظهر الجمعة) وتمثّلت في: أولاً دعوته نظراءه العرب الى الوقوف دقيقة صمت حداداً على روح الشهيد رفيق الحريري وكل الرؤساء ورؤساء الحكومات والمواطنين في لبنان وضحايا الإرهاب في العالم العربي، في خطوةٍ عكستْ إقراراً بأن «مفتاح» الانفتاح على العرب ما زال «في يد» الرئيس رفيق الحريري (اغتيل في 14 فبراير 2005) واستطراداً نجله الرئيس المكلف سعد الحريري. وثانياً توجّهه الى ليبيا من دون ان يسمّيها وغمْزه من قناة ملابسات غيابها عن القمة بقوله «الشكر لكلّ دولة حضرت على أي مستوى كان رغم الظروف السيئة المحيطة بمنطقتنا وبلدنا ونحن مسؤولون عن جزءٍ منها؛ والأسف منا لأي دولةٍ لم تحضر لأننا كعرب لا نعرف ان نحافظ على بعضنا بل نحترف إبعاد بعضنا وإضعاف أنفسنا بخسارة بعضنا».
وفي المؤتمر الصحافي مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، اعتبر باسيل «ان مستوى المشاركة هو حق لكل دولة ورئيسها وليس لأحد منا ان يعلّق على الموضوع، وبصراحتي المعهودة أتفهم أن يبادر أي رئيس دولة لفعل ما فعل، ولبنان يجب ان يتحمل مسؤوليته في ما حصل، والخطأ الذي ارتُكب يُرتكب على مستوى الدولة (…)».
من جهتها، سعتْ الجامعة الى «نقْل العدسة» من المعاني السياسية وغير السياسية لخفْض مستوى التمثيل في القمة إلى أهمية انعقادها وتوقيتها وجدول أعمالها (29 مشروع قرار وبنداً) وهو ما عبّر عنه مساعد اﻷمين العام حسام زكي في ختام أعمال اللجنة الوزارية التحضيرية صباح الجمعة، من ان «نجاح القمة الاقتصادية لا يتوقف على مستوى التمثيل فقط رغم أهميته وما يصنع نجاحها هو الموضوعات المدرجة على جدول أعمالها وما يخرج عنها من قرارات ومبادرات ومشاريع تنموية»، مضيفاً: «لا شك في أن حضور القادة يزيد القمة أهميةً، ومن الطبيعي أن تكون عدم مشاركتهم مثارَ تعليقاتٍ ولا سيما في الإعلام، ولكن يجب عدم إغفال أن أي بلدٍ يشارك في القمة وعلى أي مستوى كان فإن وفده يمثّل الدولة وله كل احترام وموافقته على القرارات التي ستصدر مُلْزْمة لسلطات بلاده».
وفيما ينْهمك كثيرون في قياسِ «مناخاتِ التعاون» التي ستسود قمة بيروت باعتبار أنها ستبلور أجنْدة أولوياتِ العرب في القمة العربية – الاوروبية المقرَّر عقدها في مصر (24 و25 فبراير) وستكون مؤشراً لـ«حال» القمة العربية الدورية في تونس (مارس)، فإنّ «طيْف» السياسة خيّم عليها من زاويةٍ خلافية تتصل بالأزمة السورية وما يتفرّع عنها وتحديداً في ملف النازحين وعودتهم التي شكلت محور خلاف رُفع الى القمة لبتّه، إلى جانب موضوع عودة سورية الى الجامعة.
وفيما ربطت الجامعة بلسان أبو الغيط وزكي عودة سورية الى الجامعة بضرورة حصول توافق على ذلك «وكما نرى حالياً فإن عناصر هذا التوافق ما زالت تحتاج الى المزيد من العمل والحوار والتشاور لتصل الأمور الى هذه الغاية»، كان لافتاً تشكيل باسيل «رأس حربة» المطالبين بهذه العودة في كلمته بافتتاح الاجتماع الوزاري الموسّع الأول في القمة (عقب تسلمه الرئاسة من سلفه السعودي وزير الدولة للشؤون الافريقية أحمد بن عبدالعزيز قطان) حيث أدلى بمواقف بدا في بعضها «يغرّد خارج السرب» العربي و«يطلق السهام» في اتجاه الدول العربية ويتفرّد بموقفٍ باسم لبنان لا يحظى بتوافق داخلي. وهو أعلن «سورية يجب ان تعود الينا لنوقف الخسارةَ عن أنفسِنا، قبل ان نوقفها عنها. سورية يجب ان تكون في حضننا بدل ان نرميها في أحضان الارهاب، دون أن ننتظر اذناً او سماحاً بعودتها، كي لا نسجّل على أنفسنا عاراً تاريخياً بتعليق عضويتها بأمرٍ خارجي وباعادتها باذنٍ خارجي».
وبعدما فسّر البعض كلام باسيل على أنه اتهامٌ ضمني للدول العربية بأنها خضعتْ لجهةٍ أجنبية في موضوع خروج سورية من «الجامعة» وعودتها اليها، قال وزير الخارجية: «أعتقد أن لا أحد ينكر تأثير العالم الغربي على الدول العربية والشواهد على هذا الأمر عديدة، وأشجع الدول ضمن الجامعة على أن تتخذ القرارات التي تعود بالمصلحة لاجتماعنا العربي، وطبعاً لكل دولة الحرية في أي قرار تحدده، وما أردتُ قوله ان كلمة الجامعة هي أن تجمع، لا تجمع على الخطأ بالطبع، انما في النهاية، النتيجة يجب ألا تكون تفرقة وتقسيماً وتخفيضاً، بل يجب أن تكون تعزيزاً في كل اجتماع».