اعتبرت صحيفة “الراي” الكويتية انه من خلف مَشهد الحضور الخافت في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي اختتمت أعمالها في بيروت، بدا لبنان «فخوراً» بأنه «ربِح تحدّي» استضافة هذه التظاهرة التي تكاتفتْ ضدّها عوامل داخلية وإقليمية هدفتْ الى حرمان «بلاد الأرز» من «الحاضنة» العربية ومنْعه من كسْب حضورٍ يحتاج إليه على المسرح الخارجي.
ورغم الغياب «القياسي» لقادة الدول المدعوّة الى القمة والذين لم يشارك منهم إلا الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، وأمير قطر الشيخ تميم بن خليفة آل ثاني الذي جاء حضورُه خاطفاً واقتصر على ساعة ونصف ساعة من أعمال الجلسة الافتتاحية، فإن بيروت نجحتْ بتقديم صورة شبه نموذجية على مستوى تنظيم القمة وأمنها، وتوفير مقوّماتٍ تليق بدورها التاريخي كـ«بيت للعرب».
وفيما تعدّدتْ أسباب غياب القادة العرب، بين مَن دُفِع عنوة الى المقاطعة مثل ليبيا التي أُحرق علمها من حلفاء النظام السوري وإيران، ومَن اختار التضامن مع طرابلس الغرب بخفْض مستوى تمثيله، ومَن أراد توجيه رسالة «عدم رضى» على اتّساع دائرة النفوذ الإيراني في «بلاد الأرز»، فإن مَشهدية القمة أحبطتْ محاولة الإطاحة بها ربْطاً بعدم دعوة سورية إليها، وهو المطلب الذي رَفَعَه أطراف لبنانيون وشكّل «مشاكسةً» بوجه القمة تُوّجت باستنكاف رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري عن المشاركة في أعمالها أمس.
وبدا من مداولاتها ومقرَّراتها وإعلانها أن قمة بيروت التي حملتْ عنوان «الازدهار من عوامل السلام» و«الإنسان محور التنمية: الإستثمار في الإنسان» أريد لها أن تشكّل انطلاقةً متجددة نحو إرساء «مانعة صواعق» ترتكز على ثلاثي «التنمية والأمن والاستقرار» بوجه «مثلث الفواجع» (الفقر والتطرّف والإرهاب) الذي يضرب بعض العالم العربي، كما العالم، وسط معادلة أصبحت أكثر رسوخاً تحتل فيها التنمية حجر الزاوية في ضمان الاستقرار والانفتاح وملاقاة تحديات العصر.
واكتسبتْ القمة التنموية أهمية مضاعفة في دورتها الرابعة (بعد الكويت وشرم الشيخ والرياض) لاعتبارات عدة أبرزها أنها بدت «انتقالية» بين سلسلة محطات مهمة تحتاج الى رسم استراتيجية عربية لمواكبتها، وبينها وضع خريطة طريق لملاقاة أهداف التنمية المستدامة 2030 التي وضعت الأمم المتحدة خطّتها العام 2015، والتمهيد للقمة العالمية للتنمية المستدامة التي تنعقد بعد أشهر وتوفير الأرضية للتقرير الذي سيُرفع الى هذه القمة حول جهود المنظومة العربية لتحقيق أهداف خطة 2030، وبلورة أجنْدة أولوياتِ العرب في القمة العربية – الاوروبية المقرَّر عقدها في مصر (24 و25 شباط المقبل)، و«تهيئة المناخات» للقمة العربية الدورية في تونس في آذار.
ولم تمرّ القمة من دون مجموعة «علامات فارقة» عززت من مكانتها وأبرزها المبادرةُ التي أطلقها سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بإنشاء صندوقٍ للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي برأسمال قدره 200 مليون دولار ساهمت الكويت بـ50 مليون دولار منه.
وفيما تعاطتْ بيروت مع المبادرة التي أعلنها ممثّل سمو الأمير نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد في الجلسة الافتتاحية للقمة على أنها «لفْتة» برسْم لبنان وما يربطه بالكويت من علاقات أخوة وتَعاوُن، كانت بارزة مسارعة دولة قطر عبر ممثّلها في القمة علي شريف العمادي وباسم الأمير الشيخ تميم إلى إعلان مساهمة بلاده في الصندوق بـ50 مليون دولار دعماً لمبادرة سمو أمير الكويت.
كما أطلق الرئيس اللبناني العماد ميشال عون بعد تسلُّمه رئاسة القمة من السعودية مبادرةً انطلقت من «التحديات الجسام والمهام الكبرى التي تواجهنا بعدما عصفت الحروب والأزمات في عدد من البلدان العربية»، وترْمي إلى «إنشاء مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية يتولّى مساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضرّرة على تجاوز محنها، ويساهم في إعمارها»، داعياً «جميع المؤسسات والصناديق التمويلية العربية للاجتماع في بيروت خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لمناقشة هذه الآليات وبلْورتها».
وقوبلت كلمة عون بارتياحٍ بعدما تجنّب فيها إكمال ما كان بدأه وزير الخارجية جبران باسيل لجهة المطالبة بإعادة النظام السوري الى الجامعة العربية، من خارج التوافق العربي واللبناني، مكتفياً بالغمز من قناة شغور مقعدها كما مقعد ليبيا ومبدياً الأسف «لعدم حضور الإخوة الملوك والرؤساء ولهم ما لهم من عذرٍ لغيابهم».