كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:
إنتهى «المهرجان الخطابي العربي»، وقفل المشاركون عائدين الى بلادهم، وفي جعبتهم بيان ختامي لقمة وَصَفه أحد المراجع بأنّ الحبر الذي كتب فيه، قد يكون أغلى بكثير من التعابير الانشائية التي تضمنته.
سؤال يفرض نفسه هنا: ماذا بعد القمة؟
العرب سينصرفون، كلّ الى شؤونه، بديهي أن يكون الهمّ الاول بالنسبة إليهم، التحضير للقمة العربية العادية المقررة بعد أقل من شهرين في تونس، فربما، والكلام للمرجع نفسه، يعوّضون في قمة تونس بعضاً من ماء الوجه الذي ضاع في لبنان، بالنسبة الى رفع مستوى الحضور، أو بالنسبة الى العلاقات العربية العربية، ومحاولة ترميمها، وعلى وجه الخصوص العلاقات بين دول الخليج، وكذلك العلاقات بين الدول العربية بشكل عام، وبين سوريا، التي يتقاطرون إليها لفتح سفاراتهم وإعادة العلاقات السياسية وغير السياسية معها.
ومن هنا يندرج الانفتاح اللافت للانتباه الذي تبادر اليه دولة الامارات العربية المتحدة نحو دمشق، والذي بدأ من إعادة فتح السفارة في دمشق، واستكمل بخطوة اقتصادية لافتة للانتباه وتَجلّت في دعوة وفد اقتصادي سوري موسّع ورفيع زار الامارات في الايام الاخيرة.
وأمّا لبنان، فيرى المرجع المذكور، أنّ أمامه تحديين:
– الأول، لملمة الآثار السلبية لقمة هزيلة فشلت أو فُشِّلَت على أرضه، ومداواة ما اصاب هيبته ومعنوياته من ندوب، وهذا لا يعالج بالاختباء خلف الاصبع واستدعاء جوقة التطبيل والتزمير الى تجميل الصورة والقول إنّ لبنان أحسنَ تنظيم القمة، والمفاخرة بأنّ الرئيس ميشال عون حازَ لقب رئيس القمة لأربع سنوات. بل انّ هذه اللملمة تستوجب التقييم الجدي لهذا الحدث، ومقاربة واقعية وعقلانية للأسباب الحقيقية لغياب القادة العرب عنها.
المهم في رأي المرجع المذكور، هو الدقّة في التقييم، وجرأة في تحديد الموقف المنسجم بجدية مع هيبة لبنان وموقعه ودوره بين العرب ومعهم. وليس الموقف العالق في الزواريب الداخلية.
عملياً، مرّت القمة مرور الكرام، لكنّ بعض الزوايا السياسيّة والاعلاميّة العربية، ومن بينها زوايا لبنانية، ما زالت تصرّ على ربط غياب القادة بالاشتباك الاخير حول حضور ليبيا الى القمة. والتصويب هنا يطال عين التينة؛ الرئيس نبيه بري يسخر من اتهامه بتفشيل القمة، ويقول بسخرية:
«إيه مظبوط أنا فشّلت القمة، بدليل انهم (أي القادة العرب) يأتون الى بلد «ماشي حالو»، وفيه وضع سياسي طبيعي، وفيه حكومة وكلّ شيء… عيب هالحَكي، أنا نصحتهم بألا يحوّلوا القمة الى قمة تصريف أعمال، او قمة تصريف افعال، لم أقل لهم الغوها، اقترحت عليهم تأجيلها لِما بعد قمة تونس، حيث تنعقد في لبنان وتطرح فيها كل الامور، فلم يوافقوا على اقتراحي، وعقدوا القمة وتبيّن انها أقل من هضبة».
نصيحتي هذه، يقول بري، قلتها قبل أن تُثار مسألة حضور ليبيا، علماً انّ موضوع مشاركة ليبيا سبق ان طُرح معي، وكان جوابي بعدم ممانعة ان تحضر، ولكن بذات المستوى التمثيلي الذي شاركت فيه في قمة بيروت 2002، ووعدوا بالتجاوب، ولكنهم نَكلوا، وتصرّفوا خلافاً لِما هو متّفق عليه، فكان لا بد من رفع الصوت، فماذا تريدون أن نفعل في هذه الحالة، هل نصلي لهم؟
قيل لبري: يقال انّ السوريين ضغطوا في الـ2002 لتسهيل حضور ليبيا، فقال: في موضوع معمر القذافي لا أحد يستطيع ان يضغط عليّ على الاطلاق، وفي قضية الامام موسى الصدر لا يمكن ان أساير أحداً، امّا في دعوتي لتأجيل القمة، فأنا كنت أساير لبنان.
امّا عن سوريا، فيقول بري: «نحن الوحيدون لم ندخل يوماً في اشتباك معها، كلّ التنظيمات من دون استثناء تقاتلت معها إلّا حركة «أمل». وكما أنّني كنتُ أساير لبنان في موضوع دعوتي لتأجيل القمة، كنت أساير سوريا في ضرورة حضورها القمة وتوجيه الدعوة اليها. انا لم أستحِ يوماً بعلاقتي مع سوريا، فعندما تنسجم مصلحة لبنان مع مصلحة سوريا يجب ان نُبَدّي ذلك على كل المصالح، وبالتأكيد نحن كلبنان لنا مصلحة اكبر.
– وأمّا التحدّي الثاني امام لبنان بعد القمة، فهو الاستفادة مما حصل والشروع فوراً نحو ترسيخ قاعدة «ما بعد القمة غير ما قبلها، ووضع الحكومة على السكة، لعلها تبدأ بالعلاجات، ويذهب لبنان الى قمة آذار وبنيته الحكومية مكتملة.
ولكن، هل ثمة بارقة أمل حكومية ؟
لا يتفق بري مع القائلين إنّ البلد امام أشهر تعطيل طويلة، ويقول: «إن شاء الله لا، أسمع كلاماً بأنّ الامور ستسير ايجاباً بعد القمة»، مع ترجيح ان تتم الموافقة على الاقتراح الذي قدمه قبل اربعة اشهر واختيار واحد من الـ«9» (نواب اللقاء التشاوري الـ 6، والاسماء الثلاثة المطروحة من قبل اللقاء)، هذا هو المخرج الوحيد.
عندما يُسأل بري هل أقرّ الطائف الثلث الضامن للمسيحيين تعويضاً عن الصلاحيات التي أخذت منهم؟ يقول: «لا أعرف من أين جاؤوا بهذا الكلام».
وفي ذات السياق يأتي كلام أحد المشاركين في اجتماعات الطائف، النائب السابق بطرس حرب، رداً على سؤال لـ«الجمهورية»: حول ما أورده الوزير جبران باسيل حول هذا الامر: ما هذه المزحة؟ هذا ضرب للطائف وتفريغ لأيّ اتفاق وطني، بل هي محاولة وضع اليد على البلد خلافاً للدستور والقانون ولوثيقة الوفاق الوطني. عندما كنّا في الطائف كنّا نحاول أن نخرج البلد من صراعات البعض مع كل الآخرين، ولم نكن نحاول أن نُنشىء مزارع، ونقسّم البلد ونعطي كل واحد «شَقفة»… يا عيب الشوم».