كتب أنطوان فرح في صحيفة “الجمهورية”:
لماذا كان يعوّل لبنان الرسمي قبل شهرين أو ثلاثة على القمة العربية لكي تساعدَه في أزمته المالية-الاقتصادية، رغم معرفة المسؤولين المسبَقة، أنّ القممَ لا تقدّم مساعداتٍ الى الدول المضيفة. في الواقع هناك أسبابٌ مُبرَّرة وراء هذا التفاؤل، لكنّ الرياح جرت عكس ما تشتهيه السفن.
أصبحت القمة العربية الاقتصادية والتنموية منذ مساء أمس وراءنا. وبعدما كان المأمولُ قبل أشهر أن تكون المرحلة التي تلي القمة، مُخصّصةً لتقييم النتائج، واستكشافِ المكاسب التي خرج بها البلد من الاستضافة، انقلب المشهدُ رأساً على عقب، وصار المطلوبُ اليوم تقييم الخسائر التي مُني بها اللبنانيون، وتحديد الأضرار الإضافية المتوقعة من تداعيات القمة، بعدما عُقدت بالشكل الذي عُقدت فيه.
ومن أجل قراءة أوضح، لا بد من تقديم السيناريو الذي كان يتوقعه المسؤولون عندما بدأوا التحضيرَ للقمة قبل بضعة أشهر، واستشراق النتائج فيما لو صحّت الحسابات الأوّلية.
لا بد في البداية من التنويه بأنّ فوائد القمم على أيِّ دولة مضيفة لا ترتبط بجدول الاعمال، أو بإقرار المشاريع والتوصيات في البيان الختامي. وبالتالي، فإنّ المكاسب، خصوصاً لدولة مثل لبنان، ترتبط بنقطة وحيدة متشعّبة يمكن اختصارُها بعبارة استعادة ثقة العرب والعالم بلبنان كدولة.
كان المطلوب في السيناريو الأول أن تنعقدَ القمة في بيروت، وأن تجمَعَ الصورةُ معظم الرؤساء والزعماء العرب، مع الرئيس اللبناني، ومع رئيس حكومة على رأس حكومة قائمة، لا حكومة تصريف أعمال، تقدِّم في الاجتماعات الجانبية للمؤتمر جدول طموحات الدولة اللبنانية في تنفيذ مشاريع إعادة تأهيل وتطوير البنى التحتية والمموّلة من قبل الدول والمؤسسات الدولية التي التزمت بهذا الأمر في باريس في مؤتمر «سيدر».
هذه المشهدية، كانت ستقود الى النتائج التالية:
أولاًَ- تكريس لبنان دولة عربية محايدة، وإثبات نجاح سياسة النأي بالنفس، والتي يُفترض أن تحوّلَ البلد الى واحة للتلاقي، كما هي حال سويسرا المحايدة في أوروبا في زمن الحروب والأزمات.
ثانياً- عودة لبنان من بوابة الحياد الحقيقي الى العالم العربي، خصوصاً الى دول الخليج. وكان كافياً، على سبيل المثال، مشهدُ وجود العاهل السعودي أو وليّ العهد، مع كبار المسؤولين السعوديين في بيروت، مع الحاشية الكبيرة التي ترافق مثل هذا الوفد في تنقلاته، لكي تكسرَ الحاجز النفسي والفعلي، للتوصية التي أصدرتها حكوماتٌ خليجية، في مقدمها المملكة، الى رعاياها لتوخّي الحذر، أو تحاشي زيارة لبنان. وكانت هذه الصورة تكفي لقطع نصف الطريق، وربما أكثر نحو عودة السائح والزائر الخليجي الى لبنان، وهو الوضع الذي يحتاجه الاقتصاد بقوة.
ثالثاً- إنّ كسرَ الحاجز النفسي، واستعادة العرب يؤدّي حتماً، الى عودة تدريجية للاستثمارات الخليجية. خصوصاً أنّ لبنانَ المحايد والآمن والذي يستعدّ لإعادة تأهيل بناه التحتية، ويتجهّز لما يشبه إعادة الإعمار الاقتصادي، يزخر بفُرص استثمارية مُجدية من شأنها جذب الاستثمارات الخارجية، في ظلّ قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP).
رابعاً- مشهد القمة المكتمل، كان سيكون له تأثيره الإيجابي الفعّال على المستثمرين اللبنانيين أنفسهم، في الداخل والخارج. وتُبيّن الأرقام أنّ حجمَ الاستثمارات التي يقوم بها مستثمرون لبنانيون في الخارج بدأ يزداد، بما يؤشّر الى حرمان لبنان من المستثمرين المحليين، بالاضافة الى المستثمرين الأجانب.
خامساً- كان يُفترض أن تشكّل القمة الناجحة بحضورها، جسرَ عبور للاستثمارات الخارجية، خصوصاً أنّ لبنان كان يطرح نفسَه دائماً في الاقتصاد، جسرَ عبور وبوابةً في الاتجاهين: بوابة العالم الى الدول العربية، وبوابة العرب الى دول العالم.
في النتيجة، كل هذه المكاسب الافتراضية التي كان سيجنيها البلد من القمة، فيما لو نجحت، تحوّلت اليوم الى فرص ضائعة في الوقت الصعب. وما يزيد الأمورُ تعقيداً، أننا لم نهدر الفرص فحسب، بل تسبّبنا لأنفسنا بأزمات اضافية سوف تكون مطروحة بدءاً من اليوم، ومع مغادرة كل المؤتمرين الأراضي اللبنانية. سنتبادل الاتّهامات، وسيكون الوضع الداخلي متشنّجاً أكثر ممّا كان قبل القمة. وسيدفع الوضعُ المالي والاقتصادي المزيد من الخسائر والفواتير المستحقة، وسنكون في مواجهة حقائق أشدّ صعوبة من التي مررنا بها حتى اليوم. هذه باختصار هي نتائج القمة التي كنا نرى فيها خشبة خلاص تواكب خروجنا من الأزمة القاتمة التي تخنقنا تدريجاً.