Site icon IMLebanon

بالأرقام… الليرة ثابتة رغم الإشتباك السياسي

كتب بروفسور جاسم عجاقة في صحيفة “الجمهورية”:

تتعرّض الليرة اللبنانية إلى وابل من الضغوطات السياسية والإقتصادية والمالية إضافة إلى عامل الإشاعات، مما يخلق حالة من الخوف لدى المواطن. إلّا أنّ الأرقام تُشير إلى أنّ الليرة، ومنذ أوائل شهر كانون الأول 2018، تعيش حالة من شبه الثبات على الرغم من الإشتباك السياسي ما قبل القمّة.

لم يعد بالجديد القول انّ التأخر بتشكيل الحكومة بدأ يؤثر سلبًا على المالية العامّة وعلى الإقتصاد. وإذا كانت المؤشرات السياسية تُشير إلى غياب التوافق على تشكيل حكومة في المستقبل القريب، أخذت الأسواق تتفاعل مع فكرة غياب الحكومة فترة أطول. هذا الأمر يظهر جليًا من خلال السلوك الذي تتبعه الشركات والمصارف ولكن أيضًا المُستهلك.

الحديث عن القمّة العربية أعاد إلى الأسواق شهية الإستثمارات والمشاريع العربية وجعلها في حالة انتظار لنتائج هذه القمّة. إلا أنّ الاشتباك السياسي الدخلي والإنقسام العربي اللذين أدّيا إلى إلغاء العديد من الرؤساء مشاركتهم الشخصية في القمّة، أدّى إلى تراجع التفاؤل من قرارات إقتصادية لها تأثير مباشر على الأسواق.

بالطبع التخبّط السياسي الداخلي والترجمة بعدم القدرة على تشكيل الحكومة إضافة إلى الإشتباك السياسي الذي سبق القمّة تزيد الضغط على الليرة اللبنانية. إلّا أنه من الواضح من خلال البيانات التاريخية (مصدر: investing) أنّ الليرة اللبنانية أخذت تتحصّن أكثر منذ أول كانون الأول 2018.

وفي التفاصيل أنّ هناك نقلة هيكلية في سعر صرف الليرة اللبنانية أدّت إلى انخفاض قيمة الدولار مقابل الليرة اللبنانية في الأسواق (مُعدّل عام) من 1513 ل.ل. لكل دولار أميركي في الفترة ما قبل كانون الأول 2018، إلى 1508 ل.ل. في الفترة التي تلت أول كانون الأول 2018. وتُظهر البيانات أيضًا أنّ الإشتباك السياسي ما قبل القمّة رفع من قيمة الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، إلّا أنّ مصرف لبنان نجح في إعادة سعر الصرف إلى مستواه ما قبل الأزمة. وبغضّ النظر عن نتائج القمّة أو الإشتباك السياسي الذي سيلي هذه القمّة، من الأكيد أنّ الليرة اللبنانية دخلت في مرحلة جديدة.

وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد أعلن أنّ الودائع المصرفية زادت بنسبة 3.5% في العام 2018 (الجمهورية تاريخ 16 كانون الثاني 2019)، وأنّ الهدف في العام 2019 سيتمثّل بتحقيق الإستقرار لسعر صرف الليرة اللبنانية مع توقعاته بأنّ أسعار الفائدة ستكون ثابتة.

من الواضح أنّ رياض سلامة بدأ بتنفيذ وعده هذا من خلال ما تُظهره البيانات التاريخية (أنظر إلى الرسم). وهذا الأمر أصبح حقيقة مع اجتياز الليرة اللبنانية الإختبار الأول، والمُتمثّل بالاشتباك السياسي الذي سبق القمّة الإقتصادية العربية الرابعة في بيروت.

هذا الإشتباك ترك أثره (كما نرى على الرسم)، لكنّ هذا الأثر كان آنياً، والواضح السيطرة التامّة لمصرف لبنان على سعر صرف الليرة. وهنا يحق لنا السؤال عن الوسائل التي يمتلكها رياض سلامة للقيام بذلك؟

المستويات العالية للفوائد التي يتمّ التداول فيها في الأسواق هي نتاج عاملين أساسيين: أولًا الوضع المالي للدوّلة اللبنانية، وثانيًا غياب أي إصلاحات إقتصادية ومالية.

هذا المُستوى قلّل من السيولة في الأسواق (بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي) وهو إقتصاديًا دواء للذعر الذي قد يُصيب اللاعبين الإقتصاديين نتيجة فقدانهم الثقة بالإقتصاد الوطني. وكنتيجة، فإنّ هذا الأمر قطع الطريق على بعض المضاربين من أصحاب رؤوس الأموال من المُضاربة على الليرة اللبنانية عبر عمليات لا تنم إلا عن استفادة شخصية، عملًا بمبدأ «المصلحة الذاتية العقلانية».

الوسائل التي يمتلكها رياض سلامة للدفاع عن الليرة اللبنانية عديدة منها:

أولاً – الإحتياطي من العملات الأجنبية واحتياط الذهب وأصول المصارف اللبنانية في المصارف المراسلة، وهو ما يؤمّن ما لا يقلّ عن 65 مليار دولار أميركي، جعل مصرف لبنان قادراً على تغطية 83% من العملة اللبنانية المطروحة في الأسواق.

ثانيًا – الهندسات المالية والتي هي عبارة عن عمليات مالية هدفها تدعيم إحتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية ويقوم بها مع المصارف التجارية.

ثالثًا – أيضًا يُمكن ذكر سعر الفوائد الذي لجم الطلب على الدولار الأميركي لصالح الليرة اللبنانية، مع بقاء الإستثمار في لبنان بالدولار الأميركي فرصة إستثمارية لرؤوس الأموال.

رابعًا – حجم الكتلة النقدية التي يتمّ التداول بها، والتي هي في صلب السياسة النقدية للمصرف المركزي والذي من الواضح أن رياض سلامة لم يعمد إلى طبع العملة كما تُظهره الأرقام.

خامسًا – مصداقية حاكم مصرف لبنان التي تسمح له بتسهيل قروض من مصارف عالمية (إذا دعت الحاجة للبنان)، وقد تصل قيمة هذه القروض إلى عشرات المليارات من الدولارات.

سادسًا – وسائل وصَفها حاكم مصرف لبنان بـ»سلاح فتاك» ضدّ كل من يحاول المُضاربة على الليرة اللبنانية. وقد رفض حاكم مصرف لبنان التصريح عن هذه الوسائل حفاظًا على عنصر المفاجأة الذي تقوم عليه الأسواق المالية.

كل هذه الوسائل تسمح بالحفاظ على مستوى ثابت لليرة اللبنانية، لكن السؤال الآن: إلى متى يستطيع مصرف لبنان الحفاظ على ثبات سعر الصرف؟

عمليًا ومع خبرة سلامة التي تفوق العقدين، وفي ظل فرضية استمرار الوضع على ما هو عليه من دون حكومة ومن دون إصلاحات، هناك إمكانية الصمود إلى ما لا يقل عن 5 سنوات.

هذا الأمر هو حقيقة على الرغم من وجود حملة واضحة على الليرة اللبنانية تقودها عدد من وسائل الإعلام هدفها سياسي، ومنهجيتها تقوم على بثّ الذعر بين المواطنين لدفعهم إلى التخلّص من الليرة واستبدالها بالدولار الأميركي مما يُسرّع في سقوط الدولة اللبنانية. وفي كل مرّة يقوم المواطن بتحويل أمواله من الليرة الى الدولار يكون قد خدم هذا الإعلام المأجور، إلّا أنّ ما لا يعرفه هذا الأخير هو أن لا شيء يُمكن أن يؤثّر على الليرة اللبنانية في ظل وجود سياسة الثبات النقدي ومقوّماتها الفعلية.

لذا، نستنتج مما تقدّم أن هناك استحالة لانهيار سعر صرف الليرة أو حتى خفضها. وقد صرّح سلامة في أكثر من مرّة أنه ما دام حاكمًا لمصرف لبنان لن يكون هناك تخفيض أو انهيار لليرة اللبنانية.

وتبقى الأنظار مُتّجهة إلى القوى السياسية لعلّها تعمد إلى تشكيل حكومة في الأمد القريب وتعمد إلى القيام بإصلاحات إقتصادية، مالية وإدارية في القطاع العام.