كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
صحيحٌ أنّ مشاركة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في القمّة الاقتصادية العربية في بيروت كانت رمزيّة، بعدما اقتصرت على ساعات معدودة وانحصرت في الجلسة الافتتاحية، إلاّ أنها انطوت على دلالات ورسائل سياسية في اتجاهات عدة.
وفق العارفين، لا يمكن فصل قرار أمير قطر بحضور “قمة بيروت” عن تداعيات “الكباش” الاقليمي، وتحديداً بين قطر وتركيا من جهة والسعودية من جهة ثانية. لقد كان واضحاً انّ الشيخ تميم التقط “اللحظة” ليصيب بقراره كرات عدة في لعبة “بلياردو سياسي” فوق الارض اللبنانية، حيث نجح في خطف الأضواء والاهتمام بأقل جهد ممكن، حتى بدت قطر كأنّها “قاطرة” القمة.
وإذا كان قد تبيّن انّ ما تردّد عن تكفّل الدوحة بمصاريف القمّة الاقتصادية وعن إيداعها وديعة مصرفية في مصرف لبنان المركزي هو غير صحيح، إلّا انّ الأكيد انّها أخذت على عاتقها “المصاريف السياسية” للقمّة، ومن جيب أميرها تحديداً. ولكن، كيف حَسَبها الشيخ تميم وكيف بدّل رأيه بين ليلة وضحاها؟
يؤكّد العارفون، انّه عندما تبيّن للرجل انّ قادة دول مجلس التعاون الخليجي لن يحضروا الى القمة الاقتصادية عن سابق تصور وتصميم، ذهب في الاتجاه المعاكس وعدل عن مقاطعتها، نكاية بتلك الدول من جهة، ولإبداء التعاطف مع لبنان على قاعدة انّ “مصيبة الحصار” تجمع من جهة أخرى، وصولاً الى الظهور بمظهر “مُنقذ” القمة في نهاية المطاف.
والدوحة التي تجيد فن تجميع التناقضات، لم تجد حَرجاً في التوفيق بين تحالفها الوثيق مع واشنطن واستضافتها إحدى اكبر القواعد الاميركية في المنطقة، وبين تعويم قمّة يترأسها الرئيس ميشال عون المُتهم باحتضان المقاومة ومسايرة المحور الايراني- السوري والمتحمّس لعودة دمشق الى جامعة الدول العربية ولإعادة النازحين السوريين الى بلادهم بمعزل عن الحل السياسي.
وتفيد المعلومات التي تلقّاها بعض المعنيين في بيروت، انّ حضور أمير قطر هو أحد أشكال “الحرب الديبلوماسية” بين الدوحة والدول الخليجية التي تفرض الحصار عليها، وانّ لبنان استفاد هذه المرّة من نزاع الآخرين على أرضه، فربح مشاركة الشيخ تميم في القمة بعدما كان قد أعتذر عن الحضور.
وتشير المعلومات، الى انّ تركيا التي لم تتجاوز بعد مفاعيل حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي على ارضها، ربما تكون قد شجعت أمير قطر على المشاركة في قمة بيروت ونصحته بها، في سياق التجاذب مع المملكة العربية السعودية.
وأبلغت مصادر ديبلوماسية لبنانية الى “الجمهورية” انّ حضور امير قطر كسر الطوق الخليجي الذي ضُرب على القمة عبر تخفيض مستوى الحضور فيها الى الحدود الدنيا، مشيرة الى انّ وجوده، ولو لساعات، شكّل دعماً معنوياً للبنان، قد يُترجم لاحقاً بخطوات معينة.
وتعتبر المصادر أنّ لبنان، وخلافاً للإنطباع السائد، نجح في إنقاذ القمة ودوره فيها، سواء عبر عقدها في موعدها على رغم من محاولات إجهاضها، أو عبر مقاربة ملف النازحين السوريين وفق ما يتلاءم مع المصلحة اللبنانية، الى جانب إطلاق عون مبادرة إنشاء “مصرف عربي للإعمار والتنمية” في المنطقة، خصوصاً في الدول التي دمّرتها الحروب والنزاعات.
وتلفت المصادر الديبلوماسية الرسمية الى أنّ مبادرة عون ليست لفظيّة او نظريّة، بل ستليها إجراءات عملية وتنفيذية، من بينها دعوة سيوجّهها الى اجتماع يُعقد بعد نحو ثلاثة اشهر لوضع آلية تطبيقية لمشروع المصرف، مشددة على “انّ هذه المبادرة ليست مرتجلة، بل هي على غرار المصارف التي تأسّست بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة إعمار أوروبا”.
وتعتبر المصادر انّه “لا توجد دولة عربية ضد مبدأ إعادة اعمار سوريا، وإنما ثمة مشكلة لديها مع الحل السياسي وشروطه، مشدّدة على انّه، وبغض النظر عن مصير هذا الحل ومساره، فإنّ المصرف المُقترح سيتأسس، “وبذلك تكون قمة بيروت قد استطاعت على رغم من كل الضغوط والصعوبات إطلاق “ربيع إعماري” في مواجهة الربيع العربي التدميري”.
وتوضح المصادر، انّ مقررات “اعلان بيروت” ستُدمج في قمة تونس المُرتقبة في آذار المقبل، وهذا أمر في منتهى الأهمية، لافتة الى “انّ ضعف مستوى التمثيل العربي في القمة الاقتصادية هو في الدرجة الاولى انعكاس للواقع العربي المريض وليس لضعف لبنان”، ومعربة عن اعتقادها “انّ بعض الغائبين أراد ان يوصل الى الدولة اللبنانية رسالة مفادها “انّ استعادة سوريا الى الجامعة العربية وقممها لا يمكن أن تتم بتوقيت بيروت”.
ولعلّ عون لمّح الى هذا الامر بتأكيده في خطابه انه كان يتمنى جمع كل العرب في القمة وعدم وجود مقاعد شاغرة فيها، “وقد بذلنا كل جهد من أجل إزالة الاسباب التي أدّت الى هذا الشغور، إلاّ انّ العراقيل كانت للأسف أقوى”.