هل يمكن ان تحقق جولة الاتصالات الجديدة، التي انطلقت الاثنين على خط تأليف الحكومة، خرقا في جدار الازمة المتمادية فصولا، منذ أيار الماضي؟ حتى الساعة، الانطباعات “سلبية” في هذا الخصوص. فبحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، أي تغيير ايجابي في مواقف القوى المحلية المعنية بأزمة التشكيل، من جهة، وفي المعطيات الاقليمية من جهة أخرى، لم يطرأ، حتى ان المستجدات المتسارعة في المنطقة قد تؤدي الى زيادة الوضع اللبناني عموما، والحكومي خصوصا، تعقيدا.
في الداخل، تحرّك الرئيس المكلف سعد الحريري نحو عين التينة الثلثاء، بعد ان استقبل الاثنين رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل في بيت الوسط حيث عرض الاخير جملة أفكار للخروج من التخبّط الحاصل، معظمها، تم طرحه سابقا. وفي وقت اتفق الرجلان على مواصلة مشاوراتهما، حيث يتوقّع ان تكون للرئيس المكلف سلسلة اتصالات في الضوء والظل، في الساعات المقبلة، تشير المصادر الى ان اللقاء لم يخرج بأي جديد والامور “مكانك راوح”. ذلك ان الاقتراح الجديد اليتيم الذي نقله باسيل قضى بتوسيع الحكومة الى 32 وزيرا على ان يضاف الى التركيبة الحريرية الثلاثينية، وزير من “الاقليات” ينضم الى حصة رئيس الجمهورية، ووزير سني سابع يذهب لتمثيل “اللقاء التشاوري”. هذه المرة، رضي الرئيس الحريري بالمخرج، الا ان الثنائي الشيعي رفضه وشهر في وجهه “لا” قاطعة، كونه يخلّ بتوازنات الحكومة ويعطي السنّة 7 وزراء مقابل 6 للشيعة، فولد ميتا، ما يعني ان الصورة الحكومية لا تزال نسخة طبق الاصل عمّا كانت عليه قبيل نهاية العام الماضي، حين أُجهضت مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للتأليف، وأنّ، حتى الساعة، لا حل الا بتنازل رئيس الجمهورية عن الوزير السني من حصته، لمصلحة “التشاوري”.
أما المشهد الاقليمي، فأفرز منذ ذلك التاريخ عناصر جديدة كثيرة لعلّ أبرزها النّفَس الاميركي المتجدد في مواجهة ايران وأذرعها العسكرية المنتشرة في المنطقة. والحال، ان واشنطن قررت بالتزامن مع اعلان توجّهها نحو سحب جنودها من سوريا، تكثيف ضغوطها وجهودها لتطويق نفوذ الجمهورية الاسلامية في الشرق الاوسط. فإلى العقوبات الاقتصادية التي تفرضها عليها وعلى متفرعاتها، ومنها “حزب الله”، فعّلت تواصلها مع الخليج والدول العربية، وعينُها على تشكيل حلف عسكري على غرار “الناتو”، للتصدي لمخططات ايران التوسعية.
وفي الموازاة، جددت الولايات المتحدة إطلاق يد تل ابيب في سوريا، معطية اياها ضوء اخضر مطلقا لتنفيذ ضربات وغارات تحول دون تثبيت طهران أرجلها على حدودها الشمالية. وهذا المسار كلّه، تضيف المصادر، يفترض ان يتوّج في مؤتمر وارسو الذي دعت اليه واشنطن، في 13 و14 شباط المقبل، الذي سيتم خلاله الاتفاق بينها وبين شركائها في المنطقة والعالم، على آلية عملية لمواجهة ايران.
هذا الواقع ستكون له اصداؤه لبنانيا، تتابع المصادر، حيث يتوقّع ان يحاول حلفاء ايران في لبنان، الدفع في اتجاه تأليف حكومة بشروطهم تساعدهم على الوقوف في وجه موجة الاستهداف الآتية نحوهم. غير ان الفريق الآخر لن يتجاوب، بطبيعة الحال، مع هذا المسار. وعليه، فإن المراوحة يتوقع ان تستمر حتى اتضاح المشهد الاقليمي، الا اذا فعلت النصائح الدبلوماسية الدولية بوقف المماحكات وتحصين الساحة اللبنانية، معطوفة على التقارير الاقتصادية المحذرة من الاستمرار في التخبط السياسي، فعلها، وحققت معجزة “الاتفاق” التي تبدو حتى اللحظة، من المستحيلات.