سجّل منسوبُ الحديث عن تطبيع للعلاقات بين بيروت ودمشق في المرحلة المقبلة ارتفاعا ملحوظا في الأيام القليلة الماضية، بدفع من مواقف مباشرة وغير مباشرة أطلقها، في هذا الشأن، رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل قبيل القمة الاقتصادية العربية، وخلالها. وقد ذهبت بعض الاوساط السياسية أبعد في هذا السياق، اذ تحدثت عن استعدادات على قدم وساق لزيارة سيقوم بها باسيل قريبا الى سوريا، في خطوة ستفتح صفحة جديدة في العلاقات بين لبنان الرسمي والنظام السوري.
وبحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة، لـ”المركزية”، ثمة فعلا اتصالات تدور خلف الكواليس بين مكوّنات فريق 8 آذار من جهة ووزارة الخارجية من جهة ثانية، عنوانها “احياء التنسيق والتعاون اللبناني – السوري وتزخيمه” نظرا الى حاجة لبنان اليه، أكان على الصعيد الاقتصادي – التجاري، أو لمعالجة مسألة النزوح السوري الى لبنان وإطلاق قطار إعادة النازحين الى بلادهم.
هذا في العلن، أما باطنيا، تتابع المصادر، فإن “حزب الله” يتطلّع الى ان يكون انتعاش العلاقات بين بيروت والشام دليلا واضحا الى ان لبنان جزء لا يتجزّأ من محور “المقاومة” في المنطقة، وذلك عشية مؤتمر وارسو الذي دعت اليه واشنطن في 13 و14 شباط المقبل، والذي سيرسم آلية واضحة عربية – غربية لمواجهة إيران ونفوذها في الشرق الاوسط.
لكن وإزاء هذه “الطحشة الممانِعة” في لبنان والضغوط التي يمارسها هذا الفريق لتكريس حلف بيروت – دمشق – طهران، لا يقف المحور الآخر، مكتوف الايدي. فوفق المصادر، المواقف التي اطلقها وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو من القاهرة منذ ايام والتي اكد فيها “اننا لن نسكت عن الامر الواقع في لبنان”، وتلك التي أعلنها من بيروت مباشرة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل حين قال “إننا نمضي قدما في جهودنا لمواجهة الأنشطة الخطيرة الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك تمويل وأنشطة المنظمات الإرهابية بالوكالة مثل حزب الله”، تدل بما لا يقبل الشك الى ان لبنان غير متروك للنفوذ الايراني.
وقد أتت جملة خطوات خليجية في الساعات الماضية لتعزز هذه الفكرة. فبعد اعلان قطر نيتها شراء سندات الخزينة اللبنانية بقيمة 500 مليون دولار، أكدت الكويت في الساعات الماضية أن “لبنان ليس متروكا على الاطلاق، وأن الدول العربية لن تتركه يتعرض لأي نكسات كارثية، على رغم بعض الاعتراض على سياساته التي لا تراعي الرأي العربي الاكثري”. حتى ان وزير المال السعودي محمد الجدعان أكد االثلثاء ان المملكة العربية السعودية ستبذل كل ما يمكن من أجل دعم اقتصاد لبنان، رافضا كشف التفاصيل، ومشيرا في منتدى دافوس الاقتصادي الى ان السعودية “مهتمة باستقرار لبنان ومستعدة لدعمه بكل الوسائل ومساعدته حتى النهاية”.
الكباش الاقليمي إذًا مستعر فوق الساحة اللبنانية، ومحاولات شدّ بيروت نحو هذا المحور او ذاك واضحة. وأمام هذا الواقع، ومنعا لتفاقم الصراع وقطعا للطريق امام تداعياته السلبية سياسيا وربما امنيا في الداخل، لا بدّ من تفيّؤ لبنان مظلّة “النأي بالنفس” والحياد. اما الخروج عنها، فسيجلب على لبنان الاسوأ، تختم المصادر.