كتب رامح حمية في صحيفة “الأخبار”:
لا يمكن استسهال وصف ما يجري في عرسال بالعنصرية ضد النازحين السوريين. أهالي البلدة الحدودية استقبلوا هؤلاء واحتضنوهم. في المراحل الأولى من الحرب، استفادت عرسال إلى حد بعيد من وجودهم الذي خلق حركة اقتصادية، ولو محدودة، عوّضت الخسارة التي منيت بها جراء احتلال الإرهابيين لجرودها وأراضيها الزراعية ومقالعها. لكن، بعدما «انفخت» دفّ «الثورة» السورية وتفرّق عشاقها، تُرك العراسلة وضيوفهم لقدرهم، ولإثارة التوترات بينهم. الاعتداءات على السوريين وممتلكاتهم التي اجتاحت البلدة أول من أمس، احتجاجاً على مزاحمة النازحين للعراسلة في سوق العمل، لا يمكن تبريرها بطبيعة الحال. لكن المسؤولية تقع أولاً على الدولة، وثانياً على الجهات الدولية الراعية لمشروع إبقاء النازحين بعيداً عن ديارهم، وثالثاً على بعض القوى السياسية، وعلى رأسها تيار المستقبل، التي ترفض أي بحث جدي في تأمين عودة هؤلاء، فضلاً عن إهمالها تنفيذ أي مشاريع تؤدي إلى تحسين البنية التحتية وبيئة العمل، بما يسمح باستيعابهم، ويرفع عن البلدة وأهلها ثقل وجودهم وظلم تحميلهم مسؤولية الحرمان المزمن فيها.
تعيش عرسال التي تضمّ أكبر تجمّع للنازحين السوريين وضعاً اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً صعباً، من دون أي مساعدة خاصة لها، سواء من الدولة أو من مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والجهات المانحة. تداعيات النزوح السوري أرخت بثقلها على البلدة الحدودية في البقاع الشمالي، وبدأت الآثار السلبية تظهر، أخيراً، في الشارع العرسالي مع ارتفاع صوت الشباب العاطل من العمل، والأهالي الموجوعين من المنافسة والمضاربة التجارية، «وغير المستفيدين» من النزوح. غياب الدولة والجهات الراعية لاستمرار بقاء النازحين السوريين، يفتح الباب واسعاً أمام الكثير من العراسلة ليحمّلوا هؤلاء مسؤولية الحرمان التاريخي الذي تعاني منه البلدة.
عدد من طلاب الثانويات والمهنيات وأصحاب وسائل النقل خرجوا أول من أمس اعتدوا على سيارات ودراجات نارية وواجهات محلات تجارية يملكها سوريون في شوارع عرسال، «على أمل أن يعرف مسؤولونا ووزارة النازحين أن العراسلة يغلقون مصالحهم ومحلاتهم بسبب منافسة السوريين لهم»، بحسب أحد الشبان الذين شاركوا في «الاحتجاج». أحمد، أحد هؤلاء، يتحدث عن أن «اللبناني خسر كل موارد رزقه، فيما السوري يحصل على مساعدات مالية وغذائية ومحروقات للتدفئة، ويستهلك سائر الخدمات في البلدة». ويضيف: «باستطاعتي العمل في منشرة صخر مقابل عشرين دولاراً يومياً، لكن السوري اخذ مكاني بعشرة آلاف ليرة».
محمد الفليطي، أحد أبناء البلدة، يشرح لـ«الأخبار» أن تداعيات النزوح السوري «أرهقت الدولة بأكملها، فكيف ببلدة كعرسال مصادر رزقها محدودة»، موضحاً أن ما جرى أول من أمس «لن يكون الأخير، وسط دعوات متواصلة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى متابعة هذه التحركات». كل ذلك، بحسب الفليطي، سيصل إلى «صدامات تتحمل مسؤوليتها الدولة والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين والمستفيدون من النزوح السوري، سواء في عرسال أو على مستوى الدولة. فلماذا إهمال البيئة المضيفة للنازحين، في الوقت الذي فاقت فيه المحال التجارية للسوريين أكثر من ثلاثة أضعاف محلات العراسلة، ويبيعون بأسعار تنافسية زهيدة، مستفيدين من المساعدات التي تأتيهم. هذا لم يعد نزوحاً. ما يحصل بات دعماً وإغراءات من أجل عدم عودتهم إلى قراهم وبلداتهم».
شخصيات بارزة في بلدة عرسال وصفت الشبان الذين نفذوا التحرك في شوارع عرسال بـ«الزعران» وبأن جهات تسعى إلى تحريكهم. في المقابل، يؤكد أحد فعاليات البلدة لـ«الأخبار» أن ما حصل «صدر عن شبان موجوعين من البطالة»، شارحاً أن «من يحصّل رزقه من العراسلة من فرن أو محل سمانة أو حلاقة، يواجه منافسة ومضاربة من السوريين بأكثر من ثلاثة محلات. حتى عامل مناشر الصخر يتعرض للمنافسة، وكذلك سائق سيارة الأجرة أو الفان للنقل الداخلي في عرسال يعاني من منافسة بسيارات سورية».
خسرت عرسال مع احتلال جرودها من قبل الإرهابيين مصادر رزقها التي كانت تشكل دعائم اقتصاد البلدة، من التهريب إلى الحجر الصخري والأشجار المثمرة، وباتت تحتاج للوقت كي يتمكن العراسلة من تأهيلها والإفادة منها. ويشير أحد فعاليات البلدة إلى أن نسب البطالة تتزايد بسرعة كبيرة وسط تعامل الجهات المانحة، ومنها المفوضية العليا للاجئين، بسياسة «غضّ الطرف عن البيئة الحاضنة». وذكّر بأن عدد النازحين في البلدة وصل سابقاً إلى ثلاثة أضعاف عدد سكانها، «وهو ما لا تتوافر بنية تحتية لتحمّله، ما ينتج أزمة على مستوى الماء والكهرباء، فضلاً عن كارثة بيئية تسببها أزمة الصرف الصحي. فلماذا لا تخصص الدولة والجهات المانحة أموالها لخدمة النازحين والمجتمع المضيف بمشاريع تساعد في رفع التلوث وتقليص نسب البطالة؟ الاستمرار في سياسة التطنيش وفي دعم النازحين والإبقاء عليهم في عرسال سيدفع بالأمور عاجلاً إلى ما هو أسوأ وصدامات لا تحمد عقباها».
ويمكن الجزم في هذا الإطار بأن حل الأزمة لا يكون عبر «تدخلات دعائية» كالتي أعلنها السفير السعودي وليد البخاري أمس، لجهة إشرافه على توزيع 760 سلة غذائية و1520 حراماً للنازحين السوريين في مخيم الشهداء في عرسال. فعدد النازحين هو بعشرات الآلاف، والمطلوب خطة إنقاذية، لأهالي البلدة والنازحين معاً.
ترك ملف النازحين عرضة للابتزاز السياسي المحلي والإقليمي والدولي، كما لأهواء المنظمات غير الحكومية اللبنانية والدولية، وللأمم المتحدة، يدفع مزيداً من اللبنانيين إلى توجيه أصابع الاتهام نحو النزوح السوري، وتحميله مسؤولية الأزمة الاقتصادية الخانقة وما ينتج منها من بطالة، التي سبّبها النموذج الاقتصادي المعتمد في لبنان. وفي هذا الإطار، نفذ اعتصام في بعلبك أمس، للمطالبة بمنع السوريين من مزاحمة اللبنانيين في سوق العمل. فهل تتدخل الدولة قبل أن تتفاقم الأزمة؟