كتب ايليا ج. مغناير في صحيفة “الراي” الكويتية:
لا شك في أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان يلتقيان للبحث في علاقتهما المميزة الاقتصادية – الإستراتيجية الطويلة الأمد.
إلا أن موضوع سورية والانسحاب الأميركي المعلن – جزئي أو كامل – سيحتلّ الحيز الأكبر من المباحثات حيث إن أميركا تضع حليفتها تركيا في مواجهة روسيا كما تضع حلفاءها الأكراد في مهبّ العاصفة، إذ أصبح أكراد سورية عبئاً يتناقَله حلفاؤهم فيما يريد أعداؤهم القضاء عليهم، بينما تفضّل دمشق أن يعود الابن الضال الى والده وإلا فليدفع الثمن باهظاً.
استطاعت الإدارة الأميركية الحالية الاستفادة من احتلالها لشمال شرقي سورية من خلال إطالة عمر تنظيم «داعش» من جهة، وإحداث بلبلةٍ بين الحليف التركي وحليفه الروسي، وهذا إن دلّ على شيء فعلى أن أميركا لم تستسلم على الرغم من خسارتها وحلفائها معركة تغيير النظام السوري. وهذه الإدارة التي أُخرجت من باب «بلاد الشام» تعود إليها لزرْع الفتنة من نافذة الأكراد.
فتركيا لديها أطماعٌ لا تُخْفيها على أحد خصوصاً أن الدولة العثمانية أُجبرت على توقيع معاهدة لوزان عام 1923 في فندق البوريفاج (سويسرا) وفيها تخلت عن أراض شاسعة، منها قسم كبير من سورية وكذلك مدينة الموصل في العراق. وتعتبر تركيا ان المعاهدة تنتهي بعد 100 عام، أي في سنة 2023، وبالتالي سيكون من حق أردوغان استعادة القوة النفطية التي من الممكن أن تكون موجودة في تركيا، وكذلك وضْع اليد على بعض المناطق المتاخمة لتركيا والتي تتواجد فيها اليوم قوات الجيش التركي في سورية والعراق.
ومن غير المستبعد أن أنقرة قد تراخت على حدودها مع سورية وسمحتْ لـ«داعش» و«القاعدة بالتمدد»، بل تناغمت مع «داعش» عند احتلاله الموصل (حصل تبادل رهائن بين تركيا وداعش في أوقات مختلفة ومتعددة منذ 2014) وسمحت لـ«القاعدة» باحتلال كسب وإدلب وحلب لتتدخل في الوقت المناسب، عند انهيار الدولة السورية، وتستعيد بعض ما كان للامبراطورية العثمانية.
وتتواجد اليوم قواتٌ تركية في بعشيقة – العراق ترفض أنقرة الانسحاب منها، وكذلك في عفرين وإدلب والباب وجرابلس، وهي تريد بكل قوتها التدخل في الحسكة لاستعادة المناطق الكردية.
إلا أن تركيا تحاول الحصول على أكبر مساحة ممكنة ومكاسب متعددة. فهي تخلت عن نور الدين زنكي – التنظيم السوري الذي تبِع لأنقرة منذ سنوات – بعد تلقيه أموالاً من دول أخرى وكذلك سمحتْ لتنظيم «القاعدة» بالسيطرة على كل المناطق المحيطة بإدلب التي شملتْها إتفاقية وقف إطلاق النار لأنها لم تتدخل عسكرياً لضرب الجهاديين.
وتبدو تركيا مستعدةً للمفاوضات مع بوتين، ومن الأرجح أن تقدّم له إدلب مقابل المنطقة العازلة التي تريد واشنطن تسليمها لها بطول 400 كلم وعرض 32 كلم، وهي مساحة أكبر من لبنان ويسكنها عرب وأكراد.
وتضغط واشنطن لمنع إعمار بلاد الشام وعودة سورية الى الجامعة العربية، وتغلق الحدود العراقية – السورية في التنف لمنْع انتعاش الاقتصاد السوري وتُبْقي سيطرتها على الشمال الشرقي الغني بالنفط والغاز للسبب نفسه. وبالتالي فإن خروج أميركا لمصلحة دمشق مستبعَد، أما لمصلحة تركيا، فإن ترامب لا يريد خسارة حليفه في حلف شمال الأطلسي ولا يريد رؤية أردوغان في أحضان بوتين. وبالتالي فإن إقناع بوتين والأسد بالاحتلال التركي بدَل الأميركي ليس بالعملية الصعبة جداً إذا كان الثمن خروج أميركا الكامل وتسليم إدلب لتستعيدها دمشق.
فإدلب خرقت الاتفاق بعد سيطرة الجهاديين عليها، وهي تشكل خطراً حقيقياً على حلب ومحيطها وعلى اللاذقية وحماة، وبالتالي لن يصعب على تركيا التخلي عنها كما فعلت بالغوطة وحلب في الأعوام السابقة.
وعلى الرغم من أن خروج أميركا من سورية لا يزال مشكوكاً فيه من كل الأفرقاء العاملين على أرض بلاد الشام، إلا أن فكرة التقدم التركي إلى الحسكة وإقامة منطقة عازلة لن يكون نزهة. فالأكراد سيدافعون عن مناطقهم أو يقومون بإخلائها ليتجهوا نحو قوات الجيش السوري. وسيُشرّد الأكراد في الحسكة – مثل عفرين – وهم التابعون لوحدات حماية الشعب، ألدّ أعداء تركيا الذين طلبتْ أميركا حمايتهم من جلّاديهم. وبالتالي يبقى الأكراد هم الخاسر الأكبر في بلاد الشام، حتى ولو بقيت أميركا في المنطقة لأن مستقبلهم يتعلق بمزاج رئيس أميركي يستفيق على قرار وينام على آخر.
وتصرّ أنقرة على المنطقة العازلة لأن المسلّحين السوريين المعارضين لحكومة دمشق أصبحوا في قلق حقيقي على مصيرهم المستقبلي. وتريد تركيا إعطاءهم هذه المساحة الشاسعة الغنية بالزراعة والحبوب وخيرات كثيرة تساعدهم على البقاء هناك، طبعاً على حساب الأكراد.