Site icon IMLebanon

الأطفال ضحايا الشاشات الصغيرة والكبيرة

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

لا أستطيع أن أشعر بالراحة إلّا عندما أعطي إبني لاري، إبن الـ6 سنوات الآيباد، فيصبح هادئاً وكأنّه غير موجود في المنزل، فأستقبل صديقتي وأتحدّث معها بهدوء، أو أقوم ببعض الأمور المنزلية، كما أستطيع أن أسترخي أمام التلفزيون دون إزعاج؛ أمّا المشكلة فهي أنّه لا يقبل التوقّف عن استعمال الجهاز دون نزاع وبكاء وصراخ، مهما طالت فترة استخدامه له.

هل من الصحي أن يتلهّى الأطفال بالأجهزة الإلكترونية؟ ما هي أسباب تعلّقهم بالشاشة؟ وما هي أضراره؟ هل يلعب الأهل دوراً في ذلك؟
يحب الطفل بطبيعته اللعب والتسلية والضجيج بشكل شبه دائم، أمّا الأم المرهقة فتبحث عن مزيد من الوقت لإنهاء عمل ما أو استقبال زائر أو حتى أخذ قسط من الراحة، فتتركه لمشاهدة التلفزيون واللعب بالأجهزة الإلكترونية، دون معرفة ما يمكن أن يسبّبه ذلك له من إدمان شديد، وتأثير سلبي على حياته المستقبلية من اضطرابات نفسية وجسدية وعلائقية خطيرة.

لا شك أنّ هذه الأجهزة تنمّي قدرة الطفل على تحليل المعلومات والإستيعاب، كما تساهم في التفكير بصورة أفضل؛ ولكنّ بقاء الأطفال أمام الشاشة الكبيرة أو الصغيرة هو من أهم مسبّبات ونتائج المشكلات الأسرية في مجتمعنا، والسبب الرئيسي هو انشغال الأهل والضغوطات الحياتية. والنتيجة، إمضاء الأطفال معظم أوقاتهم أمام التلفزيون أو الكومبيوتر، الآيباد والهاتف الخلوي، حيث تجذبهم الألوان والألعاب البصرية المشوّقة، ما يسهم في إغرائهم ودفعهم إلى طلب المزيد.

قد تؤدي كثرة استخدام الأجهزة الإلكترونية إلى اضطراب في شخصية الطفل، فقد يدخل إلى مواقع مشبوهة قد تتسبّب له بالخوف والقلق، وصولاً إلى الإكتئاب، كما قد تدفعه للميل إلى العنف. ولولا غياب الأهل وعدم السهر على سلامة أولادهم لما تعرّضوا لهذه المخاطر التي تهدّد صحتهم النفسية والجسدية والعلائقية.

والذي يبشر بالخير هو تزايد أعداد الأطفال في العيادات النفسية، ما يدل على وعي الأهل للمشكلات والإضطرابات النفسية وطلب النصح والعلاج، وهم لا يعلمون أنّهم في صلب المسبّبات الأساسية للأعراض التي تظهر لدى الأبناء، من خلال العنف والتفكك الأسري، من خلال عدم الإهتمام بما يقوم به الأبناء وكيفية إمضاء نهارهم.

تقع على عاتق الأهل مسؤولية معرفة قدرات أبنائهم وتوظيفها في النشاطات المناسبة كالرياضة والموسيقى والأعمال الفنية والإجتماعية. من هنا التأثير السلبي لغياب الحوار في الأسرة وعدم تمضية الأوقات النوعية التي ينتج عنها تجنب وسائل التواصل الإجتماعي والأجهزة الإلكترونية على أنواعها، التي يستعملها أفراد العائلة لملء الفراغ، ما يعرّضهم للتحرش والإستغلال والعنف. من هنا دور الأسرة الهام في التخفيف من الأمراض والإضطرابات النفسية.
إنّ ملء الفراغ من قبل الأهل يعزّز ثقة الأطفال بالنفس، يشبع حاجتهم للحب والإستقرار، ويُشعرهم بالأمان. فالأطفال بحاجة إلى القدرة على التعبير عن رأيهم، وليس فقط تنفيذ إملاءات الأهل وتوجيهاتهم، وهذا يحدث بطبيعة الحال عندما يتواجد الآباء والأمهات فعلياً، ويؤمّنون الحب والحنان.

لإدمان الأطفال على الأجهزة الإلكترونية وألعاب الفيديو نتائج كثيرة جسدية ونفسية منها اضطرابات في النوم، فشل في المدرسة وعدم القدرة على التركيز، خمول، فقدان الإرادة والرغبة للقيام بأمور أخرى، توتر وقلق وعزلة. كما قد يؤدي ذلك إلى اضطراب في الشهية والضعف أو السمنة الزائدة. كما يتعرضون بذلك لخطر التأتأة، العدوانية وعدم الإكتراث لمشاعر الآخرين.

أهم النتائج السلبية للمبالغة في استخدام الأجهزة الإلكترونية:
– تشنّج عضلي للجسم وخاصة الرقبة
– ألم في الرأس، أورام وأمراض سرطانية
– ضعف في الرؤية ومشكلات حساسية العين
– العصبية والعنف
– العزلة والتوحّد
– التراجع الدراسي وقلة التركيز

ومن الضروري الإعتراف بالخطر وبالمشكلة المتعلقة بالمبالغة في استعمال الأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي، وذلك من خلال مشاركة الأهل والأبناء في دورات وحلقات التوعية المتعلقة بذلك، بالإضافة إلى البرامج الإذاعية والتلفزيونية التوعوية. فتحديد وقت لاستعمال الأجهزة الإلكترونية مهمّ جدّاً لجميع أفراد الأسرة وليس الأطفال فقط، لكن ذلك يتطلّب سياسة بديلة ألا وهي الحوار، قراءة القصص، القيام بألعاب تعتمد على الذكاء والذاكرة، الخروج والقيام بنشاطات رياضية في الهواء الطلق… ولا يكفي تحديد الفترة الزمنية لاستعمال الأجهزة الإلكترونية، بل الرقابة على الأطفال حول نوعية البحث والألعاب والأفلام التي يشاهدونها.