كتب محمد شقير في صحيفة “الشرق الأوسط”:
يترقّب اللبنانيون ما سيقوله الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري في وعده لهم بأن الأسبوع الطالع بدءاً من غد الاثنين سيكون حاسما في تقرير ما ستؤول إليه المفاوضات الجارية لتأمين الظروف السياسية لولادة الحكومة بعد طول انتظار يدخل تكليفه شهره التاسع، خصوصاً أن مفاوضاته هي الآن موضع اهتمام من قبل المجتمع الدولي الذي يُبدي عدم ارتياحه إلى التباطؤ الحاصل في ظل الأوضاع المتأزمة التي يمر فيها لبنان إن كان على صعيد التهديدات الإسرائيلية أو تعثّر انتظام مؤسسات الدولة والمخاوف من الانهيار الاقتصادي الذي بدأ يلامس حافة الهاوية.
ولعل الموقف الفرنسي من تعثّر ولادة الحكومة العتيدة يعبّر عن عدم ارتياح المجتمع الدولي للطريقة التي يتعامل بها معظم الأطراف المحلية مع تأخر الإفراج عن التشكيلة الوزارية.
وفي هذا السياق علمت «الشرق الأوسط» من مصادر فرنسية رفيعة بأن لبنان الرسمي تلقّى إنذاراً من الدولة الفرنسية يتضمن احتمال مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى صرف النظر عن زيارته التي كانت مقررة إلى بيروت في النصف الثاني من الشهر المقبل إذا لم ترَ الحكومة النور في غضون أسبوع. وكشفت المصادر الفرنسية أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمهل لبنان أسبوعاً كحد أقصى للوصول إلى توافق يدفع في اتجاه تشكيل حكومته وقالت إن انقضاء هذه المهلة سيرتّب على الرئيس ماكرون – الذي يبدأ غداً جولة تقتصر على مصر وقبرص – تأجيل زيارته للبنان بذريعة أن لا مبرر لها في ظل استمرار الأمر الواقع الذي يعيق ولادة الحكومة.
ولفتت إلى خطورة ما أدلى به وزير الخارجية الفرنسي لودريان خصوصاً لجهة تحذيره إيران بشكل مباشر من التبعات المترتبة على سياساتها في تطوير برامجها الصاروخية وزعزعة استقرار المنطقة، وأخيراً التعاطف بطريقة أو بأخرى مع بعض المجموعات الإرهابية في أوروبا.
ولاحظت تركيز الوزير الفرنسي على تصدير إيران للسلاح والصواريخ إلى مجموعات مسلحة في الشرق الأوسط في إشارة إلى «حزب الله». إضافة إلى تحذيره من أن عدم قيام حكومة لبنانية سيحول دون استمرار باريس في التزاماتها المالية والاقتصادية للبنان. كما لاحظت أن باريس بدأت تتحدّث بلهجة تصعيدية ضد إيران كاشفاً «أن عدم الوصول بحوارنا الصعب معها إلى نتائج ملموسة سيدفعنا إلى اتخاذ عقوبات صارمة بحقها».
وفي المقابل سألت مصادر لبنانية لم تُفاجأ بارتفاع منسوب اللهجة التصعيدية في الموقف الفرنسي حيال طهران ما إذا كان يرتبط مباشرة بالمحادثات التي جرت أخيراً بين الرئيس ماكرون ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في حضور قائد سلاح الطيران في الجيش الإسرائيلي، وفي ضوء ما تداولته الصحافة العالمية حول تزويد نتنياهو لماكرون بوثائق وخرائط تتجاوز الأنفاق التي كشفتها تل أبيب وقامت بتفجيرها إلى صوَر وأدلّة حول مخازن للصواريخ التي تسلّمها «حزب الله» من طهران.
وتتعامل المصادر مع الاجتماع الوزاري والأمني الذي عُقد في مطلع هذا الأسبوع في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت على أنه لم يكن تقنياً فحسب، وإنما أريدَ منه توجيه رسائل إلى المجتمع الدولي حول طبيعة العمل في المطار والتشدُّد الذي تتولاه القوى الأمنية اللبنانية من أجل منع التهريب أو السماح لطائرات محمّلة بالسلاح من الهبوط في المطار وتفريغ مخزونها لأطراف محلية.
وتعتبر المصادر أن ما صدر عن المجتمعين يأتي بمثابة رد مباشر على مزاعم إسرائيل التي تتحدث باستمرار عن وجود فلتان أمني في المطار يسمح بهبوط طائرات محمّلة بالسلاح والعتاد العسكري لغير القوى الأمنية اللبنانية.
وترى أن ما صدر عن وزير الخارجية الفرنسي يستدعي تحرُّكاً لبنانياً على أعلى المستويات لتبيان عكس ما زوّده نتنياهو للرئيس ماكرون وهذا يستدعي الإسراع بتشكيل الحكومة ولا يمكن تهيئة الظروف لولادتها ما لم توقف بعض الأطراف «دلعها» السياسي بعدما بات هناك أكثر من ضرورة لإخراج التشكيلة الوزارية من النفق الذي أُقحمت فيه.
وتعتقد أن مواجهة التهديدات الإسرائيلية للبنان تتطلب أن يتصالح لبنان أولاً مع المجتمع الدولي وأن يعيد الاعتبار لتحصين علاقاته الدولية التي تلفّها حالياً حالة من القلق، وإلا لن يكون في مقدوره أن يطلب من هذه الدول تجديد ثقتها بقدرة لبنان على الإفادة من مؤتمر «سيدر» للنهوض من أزمته الاقتصادية في وقت يغرق اللبنانيون في إضاعة الفرص ولا يلبون النداء لمساعدة أنفسهم، وإلا كيف نطلب من الصديق أن يساعدنا وهناك من يعمل على تقويض ركائز الدولة.
وعليه فإن الـ«ويك إند» الفرنسي الذي يمضيه حالياً الرئيس الحريري في باريس وإن كان لأسباب عائلية، فإنه لم يقتصر على اجتماعه بزعيم «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل وإنما تخطّاه إلى عقد لقاءات يُعتقد بأنها ستبقى بعيدة من الأضواء لإعادة ترميم شبكة الأمان الدولية للبنان وتنقيتها من الشوائب. فالحريري يتعاطى بجدية مع التهديدات الإسرائيلية للبنان ويسعى في باريس إلى قطع الطريق على أي عدوان يمكن أن تشنّه إسرائيل وإلا ما هو السبيل لولادة حكومة في بلد ليس في وسعه أن يسدد فاتورة كلفة هذا العدوان؟ لذلك، بات مطلوباً من الجميع التواضع وتقديم التسهيلات لعلها تسرع في تشكيل الحكومة. ولم يعد ينفع هذا الفريق أو ذاك تكرار شروطه ومطالبه لأن من يصر على سلوكه هذا يدرك قبل غيره أن أمور البلد لا تُدار هكذا.
وهناك من يقول بأن أسبوع الحسم الذي تحدّث عنه الحريري قد ينقل البلد من أجواء التشاؤم إلى التفاؤل شرط أن يقتنع باسيل بأن العمود الفقري لتشكيل الحكومة يتطلب منه الخروج من المناورة أي الكف عن مطالبته مباشرة أو مواربة بالثلث الضامن. وإلا فإن «العهد القوي» أو «الرئيس القوي» سيتآكل تدريجياً وهذا ما يتعارض مع الذين ينظرون إلى الرئيس ميشال عون، وخصوصاً من محازبيه وتياره السياسي، بأنه سيُبحر بالبلد إلى بر الأمان.