كتب إبراهيم الزبيدي في صحيفة “العرب اللندنية:
الأنباء المتواترة حول سوريا، من داخلها ومن خارجها، وحول العراق، من داخله ومن خارجه، أيضا، ترسم ملامح وضع جديد مقبل في المنطقة لن يكون بالضرورة أفضل مما كان. لكن الذي خلق المشكلة ثم جعل حلها على أيدي الإسرائيليين والأميركيين والروس والألمان والفرنسيين والبريطانيين والأتراك هو المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي دون سواه.
إلى مدى قريب كان القادة الإيرانيون يوصفون بالدهاء والحنكة في ممارسة السياسة، رغم أنهم لم يتعلموا أصولها وفنونها وألاعيبها في مدارس وجامعات ومعاهد متخصصة فيها. إذ أنهم لم يغادروا حسينياتهم ومدارسهم الدينية المكتفية بالخرافات وأساطير الأولين.
ورغم أنهم، في زمن ليس بقصير، منذ العام 2003 وحتى العام 2018، حققوا فتوحات لا تنكر، إلا أن نجاحهم ذاك لم يكن بفعل مهاراتهم، ولا بجبروت جيوشهم وقواهم الذاتية العسكرية والاقتصادية والسياسية، وحدها، بل يعود أغلبُ أسباب ذلك النجاح إلى ضعف خصومهم في العواصم التي فرضوا هيمنتهم عليها، أو بفعل فاعل دولي اقتضت مصالحه أن يغمض عينيه عن همجية نظامهم وتخلفه، وعن أحلامهم التوسعية القائمة على الإرهاب والعنف والانتهازية والابتزاز، وأن يسهل لهم انتشارهم خارج حدودهم، ولكن إلى حين.
وبيت قصيد هذه المقالة هو بيان حجم الغباء وعمى البصر والبصيرة اللذان قاداهم إلى مآزقهم الحالية والآتية على الطريق. والدليل على ذلك ما يتلقونه اليوم في سوريا، وقريبا في العراق، من ضربات وإهانات وعقوبات، ثم لا يستطيعون الرد بغير تهديدات كلامية لا يملكون القدرة ولا الجرأة على تنفيذ أي منها.
ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس هدّد رئيس النظام السوري بشار الأسد وقال له “في حال سمح للقوات الإيرانية بتنفيذ الهجمات على إسرائيل سيجد نفسه ونظامه في دائرة الخطر، فلا يمكن أن نعيش بوضع تهاجم فيه إيران إسرائيل من سوريا والأسد يجلس بهدوء في قصره”.
هذا ذل. والذل الآخر يتلخص في أن وزارة الخارجية الأميركية أبلغت حكومة بغداد باحتمال قيام الطائرات الإسرائيلية بشنّ هجمات على مواقع ميليشيات تابعة لإيران في العراق. وترى أن تلك الهجمات تدخل في إطار الدفاع المشروع عن النفس.
ومن الجهة المقابلة، وفي نفس التوقيت، أعرب مسؤول إيراني عن غضب بلاده لعدم قيام روسيا بتشغيل منظومة صواريخ أس 300 خلال الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع إيرانية قرب دمشق مؤخرا. فقد نقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) عن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى، حشمت الله فلاحت بيشه، قوله إن “أنظمة الدفاع الجوي الروسية (أس 300) المنتشرة في سوريا تمَّ تعطيلها خلال الهجوم الإسرائيلي”. وأضاف قائلا، بعد عودته إلى طهران من زيارة لدمشق وأنقرة، “يبدو أن هناك نوعا من التنسيق بين تلك الهجمات والدفاع الجوي الروسي المتمركز في سوريا”.
لكن، نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، رد عليه في حديث له مع قناة “سي إن إن”، معلنا أن “أمن إسرائيل هو إحدى أولويات موسكو في المنطقة”. “الإسرائيليون يعلمون ذلك، واشنطن تعلم ذلك، الإيرانيون أنفسهم يعلمون ذلك، حتى الأتراك والسوريون يعلمون ذلك، أمن إسرائيل هو أولوية لروسيا.. إن روسيا ليست حليف إيران في سوريا، ولكنّ الطرفين يعملان سويا في إطار محادثات أستانة حول سوريا”.
ربطت مصادر خليجية زيارة قام بها رئيس جهاز المخابرات العامة الروسي سيرغي ناريشكين للمملكة العربية السعودية بالوضع في سوريا، وخاصة في ما يتعلق بكبح جماح إيران ومنعها من بناء نفوذ دائم لها هناك. وقالت المصادر إن ناريشكين طلب من السعودية لعب دور في مجال التهدئة في سوريا، مشددا على أن بلاده تبذل كلّ ما تستطيع من أجل ضبط إيران.
أما الذل الأكبر فيتمثل بأن الحاكم الذي أنفقت إيران على حمايته من غضب شعبه سيولا من دماء أبنائها ودماء وكلائها اللبنانيين والعراقيين والأفغان والباكستانيين، وأطنانا من الأسلحة، وقناطير مقنطرة من المال، أصبح يرى في الوجود العلني الإيراني في سوريا سبة ومجلبة لغضب الغاضبين. فقد أمر قيادة الفيلق الأول في القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية بإصدار وثيقة بعنوان “أوامر وتعليمات حول نشاطات القوات الصديقة في المنطقة الجنوبية” ألزم فيها القوات الصديقة المقاتلة معه، كحزب الله والقوات الإيرانية، بارتداء زي الجيش السوري والادعاء بانتمائها إليه، وبعدم رفع أي شعارات أو راية لا علاقة لها بالجيش، وعدم استخدام التطبيقات والتصفح باللغة الفارسية، وحذف اللوحات الفارسية من جميع الهواتف المحمولة، وعدم الحديث باللغة الفارسية أمام المواطنين السوريين وعبر الأجهزة اللاسلكية، وخاصة أمام الأجانب.
وإزاء كل هذا الذل والإهانات والخسائر المتلاحقة لم يجد قائد الحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري، ردا سوى الكلام الفاضي الذي لا يُحترم. فقد خاطب الإسرائيليين قائلا “كونوا على ثقة بأننا لا نعير أدنى اهتمام لتهديدكم المضحك هذا، واعلموا أننا إن كنا نلتزم الصبر أمام بعض ممارساتكم اليائسة فذلك لحكمة كبرى كامنة في ذلك”، “إنكم تلعبون بذیل الأسد، خافوا من الیوم الذي تنهال فيه الصواریخ الإیرانیة الدقیقة، برعیدها، على رؤوسكم، وتنتقم لجمیع دماء المسلمين المظلومین التي أُریقت دون حق”. وها نحن منتظرون.