كتبت بروفسور غريتا صعب في “الجمهورية”:
إنّ تقييم مؤسسات التصنيف الدولية يشبه الى حدٍّ بعيد تقييمَ القروض من قبل المصارف بما معناه أنه إذا قامت مؤسسات التصنيف في تخفيض درجة الجدارة الائتمانية لمستويات هابطة يعني فيما يعنيه أنه سيكلّف الدولة أكثرَ من ناحية اقتراض الأموال، ويعكس تردّي الوضع المالي في الدولة أو المؤسسة التي تخضع لهكذا تصنيف.
التقييم المؤسسي يخضع لعوامل عدة نذكر منها الاقتصاد والبيئة الخارجية ومرونة الأداء المالي وعبء الديون المالية والقدرة النقدية، وتتفاوت نسبُ هذا التقييم بين قوي وضعيف ونيترال (Neutral).
وقد يكون الامر طبيعياً في بيئة منخفضة النموّ العالمي وقد يكون هناك بلدان كثيرة تواجه احتمال تخفيض تصنيفها الائتماني السيادي بسبب ارتفاع الدين العام وينعكس على الوضع العالمي بسبب تحوّلات هائلة للمستثمرين كذلك زيادة تكاليف التمويل.
في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008 هبط معدل النموّ العالمي من 4.5 بالمئة بين عامي 2000 و2007 الى 3.2 بالمئة بين عامي 2008 و2015 بالإضافة الى انخفاضٍ حادّ في اسعار السلع الأساسية، كذلك في اسعار النفط في اواخر العام 2014 الامر الذي ساهم في تدهور المالية العامة في كثير من البلدان وفي جميع انحاء العالم.
حسب دراسة البنك الدولي ماذا يحدث للائتمان والاقتراض في حال انخفض تصنيف الحكومات وفقدت هذه درجة الاستثمار الائتماني علماً انّ عبء الدين العام له أثر كبير والعديد من الدول فقدت درجاتها الائتمانية الى مستوى Junk.
والدين العام ارتفع بنسب كبيرة من معدل 78 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2008 الى 105 في العام 2015 في الدول المتقدّمة ومن مستوى 37 في المئة الى مستوى 47 في المئة في الدول الناشئة وفي طور النموّ.
وبحثت الدراسة آثار تخفيض الدرجة الائتمانية على سندات الخزينة في الدول التي عانت من قبل هكذا تخفيض ورأت أنّ التخفيض الأول قد يزيد أسعار السندات بنسبه 138 نقطة متوسطة، وفي حال حصل التخفيض الثاني فإنها سوف تزيد بنسبه 56 نقطة (وإحصائياً يمكن لهذه الزيادة أن تكون صفرية) وتشمل الدراسة أيضاً:
-1 نظراً الى أنّ تخفيض الديون السيادية الى مستوى junk حالة ما زالت نادرة فإنّ هذه الدراسة قد لا تكون كافية.
-2 تركّز هذه الدراسة على الاقتراض القصير الامد بينما الاخطار تزداد مع الفترات الطويلة.
-3 الدراسة تفنّد العملية بالعملات الأجنبية، علماً أنّ سندات الخزينة عادة ما تصدر في العملة المحلّية.
-4 الأدلّة على التصنيف Junk المقوَّمة بالعملات المحلية لا تزال غير حاسمة.
حسب موديز وتغييرها للتصنيف اللبناني فإنّ الامر بالواقع هو افتراض، ودون أدنى شك نحن نواجه مخاطر إلّا أنه ومنذ فترة لا بأس بها استطعنا تفادي الإفلاس، وقد يكون تأخّر تشكيل الحكومة والافراج عن اموال سيدر عاملَ ضغط على الحالة العامة إلّا انّ الامر غير مستحيل لا سيما إذا ما تدفّقت أموال cedre وتدخّل البنك المركزي للحفاظ على الاستقرار المالي.
وحسب موديز هناك جملة من الامور يمكن أن تغيّرَ التصنيف نحو الاحسن، قد تكون اهمها الإصلاحات الضريبية التي تدعم الاستقرار الاقتصادي وتعزّز التدفّقات المالية بما في ذلك ودائع بالعملات الأجنبية في المصارف اللبنانية.
والعكس صحيح، هناك امور يمكنها أن تأخذ التصنيف نحو الأسوأ ولا سيما النموّ الحقيقي من الناتج المحلي. ومؤشر اسعار المستهلك ورصيد الحساب الجاري الى الناتج المحلّي الاجمالي المعروف باسم التوازن الخارجي و كلها امور تهدّد الاستقرار المالي.
هذه أمور تجري بالتزامن مع موجة قلق تترنّح بها المالية العامة لا سيما بعد أن أعلن وزير المالية بما معناه أنّ الحكومة تدرس إعاده جدولة الديون، لكنه قال في وقت لاحق إنّ البرنامج الضريبي لا يتضمّن اعاده الهيكلة، وقد تكون هذه التصريحات خطرة لا سيما انها تأتي من مسؤول مالي وتعطي اشارة الى احتمال التخلّف عن الدفع بموجب تعريف موديز.
جدير بالذكر انّ إعادة التصنيف لا تجري بين ليلة وضحاها ولم تأتِ بالشيء الجديد طالما أننا جميعاً في حال قلق حول الوضع الاقتصادي ونعيشه يومياً، وفي ظلّ بطالة كبيرة وتراجع النموّ. وحسب pwc نحن من الدول التي ازدادت فيها المخاطر (الأرجنتين هي الدولة الثانية) وحيث الـ crp Country Risk premium في ازدياد.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال ما الذي يمكن ان يقوم به لبنان في تقليل تأثير هذا التخفيض عليه لا سيما وانّ البلدان التي خفضت درجاتها الائتمانية الى هذه المستويات المتدنّية استغرقها ما بين 2 و 12 سنة للعودة الى درجة الاستثمار.
كما هو الحال في معظم الاحداث الاقتصادية من الصعب التنبُّؤ وعلى وجه الدقة بما يترتب عليها من آثار، لا سيما وأنه من حيث الجوهر هذا التخفيض هو مجرد تقييم للدرجة الائتمانية ويؤثر في الواقع على نظرة المستثمرين الاجانب، وعلى مدى قدرتنا على التفاوض على المسرح العالمي.
وبعض الآثار المحتملة استناداً الى الخبرات المكتسبة من البلدان الاخرى ودون التقليل من الوضع الرديء الذي نحن فيه، ما يلي:
-1 تقلّب وضعيات العملة والسوق لبعض الوقت.
-2 عملية التخفيض هذه تزيد الضغط على قطاع الاعمال والمستهلك.
-3 يتوقع أن يشهد الاقتصاد تراجعاً مع تراجع الاستثمار والدخول في ركود اقتصادي يعني ضعف النموّ والذي هو بدوره يؤدّي الى تفاقم الوضع المالي الهش.
لكن يبقى القول إنّ وضعيّة لبنان مختلفة بعض الشيء، وتأليف الحكومة أمرٌ سياسي بامتياز، وعرقلته أسبابها داخلية وخارجية باتت معروفة. وعدمُ إدراك البعض مدى خطورة تصريحاتهم اصبح واضحاً ما يعني أننا قد لا ندخل في هذه التأثيرات السلبية ساعة تتشكّل الحكومة ويُفرج عن اموال «سيدر».
يبقى هناك رأي دائم في هذا المجال وهو أنّ تصنيف مؤسسات التصنيف العالمية استنسابي بامتياز وموضع شكوك كون التطبيق يأتي فقط على الدول الناشئة وفي طور التقدّم، ولا يتعرّض للدول الصناعية رغم هشاشة اقتصادها في بعض الاحيان.