إذا كانت وزارة الخارجية الفرنسية نفت ان يكون الوزير جان ايف لو دريان طلب من اسرائيل عدم توجيه ضربة عسكرية للبنان قبل تشكيل الحكومة، فإن ذلك لا يعني ان الحكومة العبرية ليست في هذا الوارد. ذلك ان اكثر من معطى يتجمع في الافق الاقليمي يؤشر الى حماسة اسرائيلية في اتجاه عمل عسكري قد لا يشمل بالضرورة لبنان، لكنه على الارجح لن يكون بعيدا منه.
فبحسب ما تؤكد اوساط دبلوماسية غربية، لـ”المركزية”، ثمة عزم أميركي – اسرائيلي في ما لو لم تتمكن روسيا من تنفيذ وعدها بإخراج ايران وأذرعها العسكرية من سوريا، وهو ما لم تظهر اشارات جدية في اتجاهه حتى الساعة، لا بل يبدو التنسيق الإيراني – السوري يستعيد زخمه، على اخراج طهران بقوة السلاح من الميدان السوري، على قاعدة “آخر الدواء الكيّ”، والارجح ان توجه الضربة بغض طرف روسي، لن يكون الاول من نوعه في ضوء سلسلة اشاحات النظر عما تقترفه تل ابيب في سوريا في الآونة الاخيرة تحت ستار حماية امنها فتشن غارات على مواقع ايرانية في العمق السوري من دون ان يرف جفن موسكو التي لم تتوان اخيرا عن تأكيد دعمها إسرائيل، بحسب ما قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف منذ ايام في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية “إن أمن إسرائيل هو أحد أهم أولويات روسيا. نحن لا نستخف بأية طريقة بأهمية التدابير التي من شأنها ضمان أمن قوي لدولة إسرائيل”. وأضاف: “الإسرائيليون يعرفون هذا، وتعرف الولايات المتحدة هذا، وأي طرف آخر، بما في ذلك الإيرانيون والأتراك والحكومة في دمشق. هذه واحدة من أهم أولويات روسيا”. وتستشهد الاوساط ايضا بكلام ريابكوف عن ايران الذي قال فيه: “من غير الصحيح تصنيف روسيا وإيران كحليفتين، وإنما تعاونّا فقط في سوريا”، لتعزز وجهة نظرها ازاء موافقة روسيا، اذا اقتضى الامر على مواجهة ايران بالقوة لإخراجها من سوريا، وتنفيذ الاتفاق الدولي في شأن التسوية السياسية للازمة السورية ومشروع السلام في المنطقة.
وليس تقديم موعد الانتخابات الاسرائيلية من تشرين الثاني المقبل الى نيسان والمتوقع ان يفوز فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تضيف الاوساط، سوى الدليل الى حاجته الى الزخم الشعبي والدعم الانتخابي والأكثرية الحكومية التي تمكنه من اتخاذ قرار الحرب بسهولة، خلافا لواقع حاله راهنا. من هنا، تربط الاوساط بين تقديم الانتخابات وبين القرار الاستراتيجي الكبير الأميركي – الاسرائيلي بإخراج ايران من سوريا، بعد محاصرتها بكل الوسائل المتاحة سياسيا واقتصاديا وماديا، وقد بدأت تفعل فعلها بإقرار طهران نفسها التي حذر المستشار العسكري لمرشدها علي خامنئي، اللواء يحيى رحيم صفوي، من ان بلاده قد تواجه مصير فنزويلا، في موازاة تحذيرات وجهها كبار المسؤولين في النظام الايراني مما يطلقون عليه “الصيف الساخن”، اثر احتمال عودة الاحتجاجات في ظل تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، بفعل حزم العقوبات الاميركية البالغة السلبية على اقتصادها، لاسيما التي استهدفت قطاعات النفط والطيران والصناعة والنظام المصرفي.
ازاء هذا الواقع، تدعو الاوساط الديبلوماسية اللبنانية الى التعاطي بكثير من الحذر والوعي مع الخطر الاسرائيلي الجدي ووجوب استدراك الموقف قبل اقحام لبنان في صلب معركة “لا ناقة له فيها ولا جمل” والتزام سياسة النأي بالنفس فعلا، خصوصا ان تل ابيب قد تستهدف لبنان تحت اي ذريعة، من اجل ارباك احد ابرز اذرع ايران العسكرية، “حزب الله” الموجود في سوريا وسائر الساحات العربية، وحمله تاليا على العودة الى لبنان للمواجهة، بما يجعل الحرب على ايران في سوريا أسهل واكثر فاعلية.