كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
مشهد المشاورات الدائرة في الغرف المغلقة لتذليل العقد التي تعوق ولادة الحكومة هو غيره في العلن، ولكن الصورة النهائية اقترب أوان تَجلّيها…
في الغرف المغلقة انطباع يرقى الى مستوى التأكيد لدى كثير من المتشاورين المعنيين من أنّ تأليف الحكومة «بات في حكم المحسوم»، وانّ مراسيم هذه الحكومة «ستصدر خلال الساعات الـ 48 المقبلة»، ويضاف الى ذلك أنّ عقدة تمثيل «اللقاء التشاوري» حُلّت باتفاق مكتوب بين قيادة «حزب الله» و«اللقاء التشاوري» ووافق عليه رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل، بحيث انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيسمّي وزير هذا اللقاء من حصته، ويكون على هذا الوزير ان يشارك في اجتماعات تكتل «لبنان القوي» وكذلك في اجتماعات «اللقاء التشاوري»، ولكنه يلتزم توجهات «اللقاء» في الموقف السياسي والتصويت في جلسات مجلس الوزراء، على ان يؤدي دور التقريب بين «لبنان القوي» و«التشاوري».
والمعلومات تفيد انّ الخيار يدور بين إسمين: حسن عبد الرحيم مراد وعثمان مجذوب (ممثل النائب فيصل كرامي)، فتارة ترتفع أسهم الأول وطوراً ترتفع أسهم الثاني، لكنّ ساعة الحسم باختيار أحدهما قد أزفت.
امّا في العلن فإنّ ما يُشاع يعاكس ما في الباطن، اذ يبرز انّ رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل ما زال متمسّكاً في ان يسمّي هو ممثل «اللقاء التشاوري» في الحكومة ومن خارج النواب اعضاء اللقاء.
وهنا يصطدم باسيل مع «اللقاء» الذي يصرّ على أحقيّته ككتلة نيابية وسياسية في اختيار ممثلها في الحكومة، ويرفض ان يسمّي الآخرون هذا الممثل وتقييده بشروط، بل انّ النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد يرفضان بشدة طرح باسيل ان يسمّي هو وزير «اللقاء» وأن يشارك في اجتماعات «لبنان القوي»، فيما أعضاء آخرون في اللقاء يؤيدون باسيل تحت عنوان «التنازل» والمرونة في الموقف لتسهيل ولادة الحكومة التي طال انتظارها.
على انّ عدم تذليل عقدة «التشاوري» ليس وحده المعوق لولادة الحكومة، بل ذهاب باسيل الى طرح تبديل بعض الحقائب بعدما كان الجميع اتفقوا على توزيعها منذ الأشهر الاولى للتكليف.
يحاول باسيل التبديل ولا يزال، مُفتتحاً «الموسم» بمحاولة أخذ وزارة البيئة من حصة حركة «أمل» وإعطائها وزارة الاعلام بديلاً منها، الامر الذي رفضه الرئيس نبيه بري بشدة ولا يزال، ملمّحاً الى إمكان القبول بوزارة الصناعة او الثقافة بديلاً لوزارة البيئة، ورافضاً التنازل عن وزارة الزراعة، بل انّ باسيل اصطدم ويصطدم ايضاً برئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وبـ«القوات اللبنانية».
فجنبلاط رفض ويرفض التنازل عن وزارة الصناعة المخصصة لحزبه، أمّا «القوات» فرفضت وترفض التخلي عن وزارة الثقافة مقابل إبقاء وزارة الاعلام التي تشغلها حالياً من حصتها.
ولذلك، وحتى اشعار آخر، يبدو انّ ما يحصل من تشاور لم يخرج عن إطار «طبخة بحص»، والسبب الرئيسي انّ التعطيل يكمن في رغبة باسيل الضمنية والعلنية في الاستحواذ على الثلث الوزاري المعطّل الذي يتحكّم بمصير الحكومة، بحيث اذا استقال تستقيل دستورياً، تماماً كصلاحية رئيس الحكومة الذي إذا استقال تصبح حكومته مستقيلة.
ولكن في واقع الحال الآن وسابقاً، نادراً ما استقال رئيس حكومة وأسقط حكومته، فقد فعلها الرئيس الراحل عمر كرامي إثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري حيث أعلن استقالته تحت قبة البرلمان عام 2005. وفي مطلع العام 2011 أُسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى باستقالة ثلث أعضائها زائداً واحداً، والذي جمع وزراء فريق 8 آذار و«التيار الوطني الحر».
ولا ينكر العاملون في ورشة التأليف الحكومي انّ «الثلث المعطّل» الذي يسعى باسيل للاستحواذ عليه، هو العلّة التي تمنع ولادة الحكومة حتى الآن، الى درجة انّ الخلاف على توزيعة الحقائب وحتى على موضوع تمثيل «اللقاء التشاوري» إنما سببه هذا «الثلث»، بل انّ طموح باسيل الرئاسي هو السبب الرئيسي، امّا الاسباب الاخرى فهي من التداعيات.
ويقول بعض هؤلاء العاملين انّ الحكومة الجديدة ستكون «حكومة تصريف اعمال»، لأنّ البعض أقحمها في استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية الذي يحين في خريف 2022 قبل أوانه، فكيف لها ان تعمل وتُنجز تحت وطأة محاولات البعض أخذ البلد الى السباق الرئاسي قبل أوانه الذي غالباً ما يتسبّب قبل إنجازه بنزاعات وانقسامات سياسية تنعكس سلباً على عمل كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الحكومة؟
وفي رأي هؤلاء انّ كل الاشتباكات والخلافات السياسية دائرة بين باسيل وبقية القوى السياسية، فهو يريد لممثل «التشاوري» ان يكون تحت عباءته لكي يستكمل به عقد «الثلث المعطّل» حسب توصيف خصومه، بينما هو «الثلث الضامن» حسب توصيفه، وربما يطمح من خلال هذا الثلث الى «ضمان» رصيد له في السباق الرئاسي المقبل.