اذا صدقت الأجواء التفاؤلية التي تُعمّمها المقار المعنية بالتشكيل، وكُتب للحكومة ان تبصر النور في الساعات القليلة المقبلة، فإنه سيتعين عليها الانكباب على العمل “اليوم قبل الغد”، لمواجهة تحديات بـ”الجملة”، تنتظرها، بعضها جديد والآخر “يجرجر” ذيوله من أيام “استعادة الثقة”، ليجلس الى طاولتها مرة أخرى.
واذ تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية” إن صياغة البيان الوزاري لن تكون مهمة شاقة، والارجح نسخة عن البيان الحالي، مع بعض التعديلات لناحية التعهد بتطبيق الاصلاحات المطلوبة بإلحاح من قبل الدول المانحة، تشير الى ان هذه “الورشة” من أبرز التحديات التي تنتظر مجلس الوزراء العتيد.
فصحيح ان القوى السياسية كلّها تجمع على ضرورة مكافحة الفساد والمباشرة بعملية اصلاح هيكلي وبنيوي واسعة، الا ان لا اتفاق بينها حول رؤية مشتركة لآلية تطبيق هذا الاصلاح. حتى ان اهل البيت الحكومي الواحد، يتراشقون تهم الفساد.
وللتذكير، فإن الخطوة الفعلية في مشوار النهوض بالاقتصاد ووقف النزف الذي ينهك “الخزينة”، تتمثل وفق التقارير والدراسات الاقتصادية كلّها، بمعالجة واقع “الكهرباء”. وهنا، فجوة كبيرة تباعد بين المكونات الحكومية في النظرة الى كيفية سد العجز، وقد تجلت مجددا في الساعات الماضية، في الخلاف بين الحزب التقدمي الاشتراكي برئيسه وليد جنبلاط وعضو اللقاء الديموقراطي النائب مروان حمادة من جهة، ووزير الطاقة سيزار ابي خليل من جهة ثانية. وبحسب المصادر، فإن التعهد بالاصلاحات، كتابة في البيان الوزاري، ليس كافيا. بل المطلوب من لبنان، للفوز بمكتسبات “سيدر”، المباشرة فعليا وبالممارسة، بهذا المسار. وفي حال نجح، فإن الاستثمارات والمشاريع التي اقرّها المؤتمر “الباريسي” ستشق طريقها الى بيروت حتما، وستضاف اليها عودة لرؤوس الاموال وللاعمال الخليجية والعربية، التي تحدث عنها أكثر من مسؤول خليجي في الايام الماضية في اعقاب القمة التنموية الاقتصادية العربية والرئيس المكلف سعد الحريري ايضا.
هذا اقتصاديا. أما سياسيا، فتواجه الحكومة تحديا لا يقل أهمية، يتمثل في الاتفاق على السياسة الخارجية للبنان. فالنأي بالنفس “لفظيا”، أيضا، لا يكفي، ويطلب المجتمع الدولي من بيروت إلزام القوى السياسية كلّها التقيد به، ووقف تدخلاتها السياسية والعسكرية في الشؤون العربية. وفي وقت يُعَدّ الملف السوري والعلاقات مع دمشق عاملا خلافيا بامتياز بين الاطراف اللبنانيين، بين قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر من جهة، وقوى 14 آذار من جهة أخرى، تسأل المصادر عما اذا كانت سياسة “وضع الملفات الخلافية جانبا” التي اعتمدت في مجلس الوزراء السابق، ستبقى قائمة وما اذا كانت تنسجم والاجندة الاقليمية والدولية الجديدة..واذا كان الإبداع اللبناني سيحل مسألة سلاح حزب الله في البيان الوزاري، فإن لبنان الرسمي مطالب ايضا بوضع استراتيجية دفاعية تلتقي ومندرجات القرارين الدوليين 1559 و1701 تنتج عن طاولة حوار وطني. فهل يفعل؟
وليس بعيدا، لا بد من الاشارة الى ان الحكومة سيتعين عليها مواجهة تهديدات اسرائيلية تكاثرت في الآونة الاخيرة تحاول قضم اراضيه وثرواته برا وبحرا، فيما تقود تل ابيب حملات واسعة دوليا وامميا، تحمّل فيها لبنان الرسمي مسؤولية تكاثر أسلحة وصواريخ حزب الله ونشاطاته في الجنوب، وفي العاصمة ايضا.
فهل تكون حكومة الوحدة الوطنية العتيدة على قدر المسؤولية في مقاربة هذه القضايا كلّها، أم ترسب في الامتحان تحت وطأة الحسابات الفئوية والحزبية والاعتبارات العابرة للحدود؟