Site icon IMLebanon

أزمة ليسيه عبد القادر: حل على حساب المال العام وطلاب “الرسمي”

كتبت فاتن الحاج في “الاخبار”:

على «الطريقة اللبنانية»، يجري «طبخ» الحل لانتقال «ليسيه عبد القادر» إلى مجمع تابع لوزارة التربية، بعدما شارفت مهلة السنوات الخمس المعطاة لمؤسسة الحريري لإخلاء العقار الذي تشغله المدرسة حالياً على الانتهاء. حل يخلط «الحابل بالنابل»، إذ يجعل مبنى للمدارس الرسمية في تصرف مدرسة خاصة، ويهجّر طلاب معهد العلوم التطبيقية والاقتصادية إلى مبنى تابع لمدرسة خاصة أخرى… وكل ذلك على حساب المال العام

موافقة وزير التربية مروان حمادة، أخيراً، على طلب بلدية بيروت إعارتها المبنى المخصص للمدرسة الرسمية في منطقة زقاق البلاط («مجمع الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح التربوي») لاستخدامه لـ«أغراض تربوية وتثقيفية»، تشي لأهالي تلامذة «ليسيه عبد القادر» بأنّ الانتقال إلى المبنى الجديد بات أمراً واقعاً ووشيكاً.

وما عزز هذا الاعتقاد العرض الذي قدمه رئيس الحكومة سعد الحريري لإدارة معهد العلوم التطبيقية والاقتصادية CNAM، الذي يشغل «المجمع» مؤقتاً، بالانتقال إلى واحد من ثلاثة مبان تابعة لجمعية المقاصد الخيرية.

مدير المعهد الياس الهاشم أكد لـ «الأخبار» أنّ «الطرح عرض علينا خلال اجتماع في السرايا الحكومية مع مستشار رئيس الحكومة فادي فواز، وقد زرنا اثنين من المباني الثلاثة، وسيأخذ مجلس الإدارة قراراً بذلك في اليومين المقبلين قبل أن يرفع تقريره إلى رئيس الحكومة».

هواجس كثيرة حملها الأهالي إلى إدارة «مؤسسة الحريري» (تشارك في إدارة الليسيه مع السفارة الفرنسية) في اجتماع عقد، الخميس الماضي. إذ يؤكّد هؤلاء أن ما من ضمانات تمنع أياً كان، في أي وقت، من الطعن في هذا القرار الذي يمنح مدرسة خاصة حق استعمال مبنىً مخصّص للتعليم الرسمي، على خلفية أنّ اللجوء إلى هذا الحل يتضمن مد اليد الى المال العام، وحرمان طلاب القطاع الرسمي من استعمال ما كانت الدولة الكويتية قد وهبتهم إياه. أضف الى ذلك أن المبلغ الذي دفعته بلدية بيروت للوزارة من أجل استخدام المجمّع (750 مليون ليرة لبنانية) مشروط، بحسب مصادر الأهالي، بوجهة محددة وهي تعزير المعلوماتية في التعليم الرسمي ولا يمكن صرفه في وجهة أخرى. وهذا أيضاً قد يكون مصدراً آخر للطعن، ما يثير خشية الأهالي من أن يكون حل الانتقال الى المبنى الجديد مجرد «إبرة بنج» مؤقتة لتأمين مغادرة سلسة للعقار الذي تشغله «عبد القادر» حالياً، وبعدها «نُترك لنقلّع شوكنا بأيدينا»!

وكانت جلسة المجلس البلدي في 13/12/2018 التي أقرت «فض النزاع» شهدت نقاشاً قانونياً في شأن إمكان أن يتصرف وزير التربية بالمبنى من دون العودة إلى مجلس الوزراء، وأفادت اللجنة القانونية يومها الأعضاء بأن أحد المستشارين القانونيين لوزير التربية، وهو قاض في مجلس شورى الدولة، أكد قانونية الأمر.

ووسط الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي عن وجود خلل في إنشاءات المجمع المذكور وعدم موافقة الأهالي على الانتقال إليه قبل استيفائه للمواصفات والمعايير الهندسية المطلوبة، تطرح أسئلة عدة عن الجهة التي ستقوم بالتأهيل: هل ستكون بلدية بيروت أم مؤسسة الحريري أم السفارة الفرنسية؟ وكيف ستجري تغطية الأمر قانونياً إذا كانت البلدية لا تستطيع استيفاء إيرادات إلاّ في أبواب محددة؟ ومن سيدفع لجمعية المقاصد الإيجارات إذا وافق معهد CNAM على الانتقال إلى أحد مبانيها؟

أسئلة كثيرة لا إجابات لها وجّهها الأهالي في كتاب إلى رئيسة «مؤسسة الحريري» سلوى السنيورة بعاصيري، عمن يضمن لهم، بعد تأهيل المبنى وحتى تأمين البديل الدائم والمناسب، أن لا يجدوا أنفسهم معرضين للموقف ذاته بعد فترة، لا سيّما أنّ الطلب المقدم من بلدية بيروت لوزارة التربية يتيح للوزير استرداد المبنى متى شاء؟ وعليه، من المعني بتزويدهم بضماناتٍ لا لبس فيها: بلدية بيروت، وزارة التربية، أم مؤسسة الحريري؟ وما هي طبيعة التأهيل المنوي تنفيذه للمبنى، ومتى يبدأ وما هي مدته؟ وبما أنّ تكاليف المبنى الجديد من صيانة وضرائب مالية وعقارية أقّل بكثير من تكاليف العقارات الحالية التي تشغلها ليسيه عبد القادر، وبما أنّ ما يدفعه الأهالي حالياً هو للتحصيل العلمي في مكانٍ يفوق بمواصفاته ما هم مقبلون عليه، فهل هناك تصوّر لخفض الأقساط؟

الأهالي أكّدوا أنهم «يراهنون على أن تكون مؤسسة الحريري على أعلى قدر من المسؤولية لأسباب إنسانية وإجتماعية وتربوبة بحتة»، مطالبين إياها بتمديد البقاء للمدرسة لفترة ثلاث سنوات على الأقل في موقعها الحالي، مع دفع قيمة الإيجار العادل، ريثما يتم درس كل المشاريع المعروضة، ومن بينها مشروع بتشييد مبنىً على أرض قدمتها السفارة الفرنسية في منطقة قصقص، أو إيجاد بديلٍ مؤهل بشكلٍ لائق للدراسة، فضلاً عن إعطاء الفرصة لأهالي الطلاب لإيجاد الحل المناسب لأولادهم.

لكن حتى هذه اللحظة، لا جوابٍ شافياً ونهائياً بهذا الخصوص، ما عرّض ويعرّض الأهالي والتلامذة والأساتذة لأفدح الأضرار المعنوية والمادية، نتيجة الحيرة المتفاقمة وغموض مستقبل أولادهم، واحتراق مهل للتسجيل، ودفع تكاليف فتح الملفات في مدارس أخرى. علماً أنّ المدرسة لم تسجّل حتى اليوم أي تلميذ في صفوف الروضات الأولى للسنة الدراسية المقبلة.