صحيح أن الآمال المعلقة على حكومة “إلى العمل” أكبر من قدراتها في بلد مثل لبنان غارق في الأزمات والانقسامات والصفقات والدين العام الذي ناهز الثمانية وثمانين مليار دولار، لكن الصحيح أيضا أن مجرد تشكيلها بعد تسعة أشهر من الفراغ الحكومي أنعش البلاد وأراح العباد، ولو نسبيا، على الأقل لجهة إطلاق المشاريع التي من شأنها أن تحرك عجلة الاقتصاد وتفرمل الاندفاعة نحو الانهيار.
وإذا كان المال والاقتصاد أكثر القطاعات التي ستتأثر إيجابا بالتشكيل، بفعل المرتقب من أموال المؤتمرات لا سيما “سيدر” بعد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وقد لاحت تباشير الإيجابيات بمجرد الإعلان عن التشكيل بحيث ارتفعت سندات لبنان السيادية الدولارية، فإن السياسة تحل في المرتبة الثالثة بحكم الأمر الواقع ، وليس الأمن بعيدا من كل ذلك، ولو أنه نأى بنفسه طوال الأزمة الحكومية وما قبلها عن كل الشظايا الخلافية.
فالارتباط الأمني بالسياسة وتفاعلاتها ينحصر في نطاق ضيق يتصل بالتعيينات من دون أن يمس العمل الميداني، لكن الشغور الحكومي أثّر في هذه النقطة بالذات، من زاوية تعذر تعيين بدلاء عن المسؤولين العسكريين الرفيعين الذين أحيلوا إلى التقاعد في غياب حكومة أصيلة تنحصر بها مهمة ترفيع رتبة من يقع عليهم الخيار، فبقيت مراكزهم شاغرة وفي مقدم هؤلاء رئيس الأركان في الجيش اللواء حاتم ملاك الذي أحيل إلى التقاعد في تشرين الأول الماضي، في حين يحال إلى التقاعد أيضا في 7 الجاري عضو المجلس العسكري الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء سعد الله الحمد، ثم تباعا في الشهرين المقبلين اللواء سامي الحاج، واللواء جورج شريم.
وقد حال تشكيل الحكومة كما تقول مصادر مطلعة لـ”المركزية” “دون حصول شغور خطير في المجلس كاد يمنع التئامه مع إحالة ثلاثة من أصل ستة من أعضائه للتقاعد ليبقى فيه ضابطان فقط هما قائد الجيش العماد جوزيف عون واللواء مالك شمص، علما أن النصاب القانوني يحتاج إلى خمسة أعضاء”.
وفي انتظار إقلاع الحكومة رسميا لتولي مهمة تعيين بديل من رئيس الأركان وترفيع عمداء بدلا من حمد والحاج وشريم مع إحالتهم للتقاعد، تسأل المصادر “عما إذا كانت هذه التعيينات ستخضع مجددا للتجاذبات كما هي الحال عادة أم يتم تمريرها بسلاسة ضمانا لإبعاد الأمن عن السياسة؟”.
وتربط المصادر في السياق بين تعيين رئيس أركان خلفا لملاك وبين الامتعاض الاشتراكي من مجمل ما يدور على الساحة السياسية وتوجيه اتهامات بالفساد والصفقات لاركان العهد، لا سيما “المستقبل” والتيار “الوطني الحر”، على خلفية ملف الكهرباء وتلزيماته، ذلك أن اختيار رئيس الأركان الدرزي يتم عادة بالتنسيق مع زعيم الاشتراكي وليد جنبلاط الذي كان رسا خياره على العميد أمين العرم، فهل أن رياح الخلافات ستلفح التعيين الأمني في المركز الحساس فيعاد خلط الأوراق وينشب مجددا الخلاف حول البديل، أم يتحاشى العهد وسيده الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري إغراق البلاد في بحر الخلافات من دون طائل، مع الانطلاقة الحكومية ويتم تمرير التعيين على قاعدة الانصراف إلى الأهم لجهة ورشة الإصلاحات الواجبة لعدم تطيير مساعدات “سيدر” الإنقاذية ومواجهة الاستحقاقات الداخلية والخارجية بالموقف الواحد في لحظة التحولات الإقليمية الكبرى ومشاريع الحروب التي يتردد أنها تحضر لبعض دول الجوار لإخراجها من السطوة الإيرانية واتخاذ الإجراءات الواجبة لأي خطر قد يتأتى من الحدود، حيث تفيد المعلومات أن الجيش اللبناني أرسل تعزيزات إلى الحدود الشمالية تحسبا لما قد يحصل في إدلب؟.