كتب وفيق قانصوه في صحيفة “الأخبار”:
واضحة جداً كانت المرارة على وجه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في كلمته التي ألقاها أمس قبل إعلان مراسيم تشكيل الحكومة. بدا مرغماً لا بطلاً، وهو يقدّم نفسه سفيراً لـ«النوايا الحسنة» في عملية التشكيل. صوّر القوات اللبنانية وكأنها «شالت كتفاً» إلى جانب رئيس الحكومة بعدما أرهقه «ابتزاز قوتين رئيسيتين» في البلد، كان واضحاً أنه يعني بهما حزب الله والتيار الوطني الحر. لذلك أعلن «قبوله» بوزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية بدل حقيبة الثقافة، مقرناً ذلك بشرط «ولادة الحكومة فوراً»، في وقت كان الرؤساء الثلاثة، للمفارقة، مجتمعين في بعبدا لوضع اللمسات الأخيرة على مراسيمها!
“ليست هناك حقائب حقيرة ولكن هناك أناس حقيرون»، قالها جعجع بمرارة كبيرة، ومفهومة. إذ يدرك رئيس القوات اللبنانية أن التشكيلة، بتوزيعتها التي أقرت أمس، تم الاتفاق عليها في لقاءات باريس الاسبوع الماضي بين الرئيس سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، وبين الأخير وقيادة حزب الله، وقد أُبلغ رئيس القوات، بوضوح، أن القرار اتخذ – بعد تذليل عقدة تمثيل «اللقاء التشاوري» – بإعلان الولادة مساء الخميس… وبمن حضر.
بحسب مصادر معنية بالتأليف، أبصرت الحكومة النور بعد «تنازلات متوازنة» قدمتها ثلاثة أطراف رئيسية: حزب الله بإقناع نواب «اللقاء التشاوري» بأن يكون ممثلهم ضمن تكتل «لبنان القوي» مع خصوصية مماثلة لما لحزب الطاشناق والنائب طلال ارسلان؛ والتيار الوطني الحر بقبوله بممثل لـ«التشاوري» من ضمن حصة الرئيس؛ والحريري بقبوله بتوزير حسن مراد الذي لا يشوب انتماؤه الى «التشاوري» أي لبس، بعدما كان رئيس الحكومة يصرّ سابقاً على رفض أي تمثيل للقاء بهذا الوضوح الموصوف.
في حسابات الربح والخسارة، بعد إعلان التشكيلة، حقّق حزب الله وحركة أمل ربحاً صافياً: ستة وزراء مع 5 حقائب لم يتزحزحا عنها منذ اللحظة الأولى لعملية التأليف، وكسر حزب الله أحادية تمثيل تيار المستقبل في الطائفة السنية بتوزير حلفائه السنة، وهو ما سيُبنى عليه قطعاً في تشكيل الحكومات اللاحقة.
التيار الوطني الحرّ، من جهته أيضاً، حقّق على مراحل، ما كان يصبو اليه:
– في البداية كسر أحادية وليد جنبلاط الدرزية بوزير يسميه رئيس الجمهورية، ويكون «وسطياً» (وجّه صالح الغريب التحية في أول تصريحاته أمس إلى «عطوفة المير طلال»!).
– بعدها، «فرض» على القوات اللبنانية خفض طموحاتها من خمسة وزراء إلى أربعة، قبل أن يفرض عليها حقيبة دولة لم تكن تريدها.
– ومن ثم نال معظم الحقائب التي كان يصبو اليها، وآخرها أمس على حساب القوات نفسها.
– وأخيراً، خرج من مفاوضات مضنية بإعلان السيد حسن نصرالله «صداقته» لباسيل من دون أن يخسر العلاقة التي رعت التفاهم الرئاسي مع الحريري.
أما بالأرقام، فقد كانت لافتة أمس عبارة وزير الخارجية، في تصريح تلفزيوني، بـ«أننا حصلنا على أكثر مما كنا نريد». ما كان يريده باسيل، على مدى شهور المفاوضات التسعة المنصرمة، هو 11 وزيراً. إلا ان تشكيلة الأمس أعطته «11 ونص» بحسب المصادر نفسها التي تؤكّد على التقسيمة التالية للحكومة: 11 وزيراً لتكتل «لبنان القوي» ورئيس الجمهورية، 2 لجنبلاط، 4 للقوات، 1 للمردة، 6 لثنائي أمل – حزب الله، 5 للحريري، ووزير مستقل. وهذا الأخير هو «النص» المذكور. وبحسب المصادر نفسها فإن تسمية الوزيرة فيوليت خيرالله هو في الواقع ثمرة اتفاق بين الحريري وباسيل، في إطار «استعادة» التيار الوزير المسيحي مقابل «إعادة» الوزير السني الى «التشاوري»، مع إبقائه ضمن تكتل «لبنان القوي». ومعلوم أن خيرالله هي زوجة الوزير السابق محمد الصفدي، «المرشح الدائم» عونياً لرئاسة الحكومة.
تسمية مراد أيضاً تدخل في حسابات الربح، رغم الالتباس الذي قد يحيط بتموقعه ضمن حصة رئيس الجمهورية، كون باسيل كان داعماً لتسميته من بين الأسماء الثلاثة التي قدّمها نواب «التشاوري».
وفي الحسابات نفسها يدخل أيضاً انتزاع وزارة شؤون النازحين، مع ما يشكله هذا الملف من أولوية لدى التيار الوطني الحر في المرحلة المقبلة، وإيكالها الى الغريب، وزير ارسلان، مع ما تعنيه علاقات الأخير مع دمشق.