تشكلت الحكومة الجديدة وأخذ وزراؤها الصورة التذكارية، وتقبّلوا التهاني لأيام ما بين استقبالات واتصالات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وعبر المقابلات الإعلامية، رغم أن وضعنا لا يسمح لا بالتهاني ولا بهدر الوقت في بلد يعيش الانهيار بأسوأ تجلياته على كل المستويات!
في الشكل كان يُفترض بجميع الوزراء أن يمتنعوا عن تقبّل التهاني، لأن التهاني تحصل عند تحقيق الإنجازات، وليس الإنجاز بتعيينهم في مناصبهم أو في عودتهم إليها، كما أن المحاصصة الوزارية بين الأطراف السياسية لم تقدّم شيئاً للوطن وللمواطنين، في حين أن قسماً من المواطنين ابتهجوا من دون سبب لتمثيل أحزابهم في حكومة جديدة لا تختلف عن سابقتها لناحية توزّع ميزان القوى داخلها، وتشكل امتدادا لسلطة لم تقدّم شيئاً على الصعيد العام، لا بل زادت العجز والدين العام وقادت البلد بفعل صراعاتها ومنطق تقاسم الجبنة إلى أسوأ أيام يعيشها لبنان.
وإذا كانت الصور والتهاني هذه الأيام تذكرنا بالصور عند تشكيل الحكومة السابقة في آخر أيام الـ2016، فإن ما يؤلم أيضاً هو أن الوعود بقيت هي ذاتها أيضاً، والرأي العام يعيش ما بين حدّي عدم تصديق هذه الوعود بفعل التجارب المؤلمة وما بين الإبقاء على فسحة الأمل!
لكن فسحة الأمل لا يمكن أن تبقى قائمة إذا كان الشعب يطبّل ويهلّل عند تشكيل أي حكومة، وإذا بقي يتعاطى بمنطق رفع يافطات الترحيب بهذا الوزير أو ذاك، وكأن فرحة الوزراء الجدد بمناصبهم وألقابهم يجب أن تكون نعمة للشعب، بما يذكرنا بالعبارة الشهيرة لأحمد بيك الأسعد قبل عقود حين قال لزائريه ممن كانوا يطالبونه بالمساعدة لتعليم أبنائهم: “لشو بدكن يتعلموا ما أنا عم علّملكم كامل (نجله الذي أصبح لاحقاً رئيساً لمجلس النواب)؟!
لا يمكن لأي أمل أن تتم ترجمته على أرض الواقع ما لم ينزل جميع الوزراء من “معاليهم” ليعودوا موظفين لدى الشعب وفي خدمته. ولا يمكن أن نتحدث عن مستقبل للبنان وعن مشاريع وإنتاجية ما لم يخضع الوزراء للمحاسبة الفعلية على كل ما يقومون به سلباً أم إيجاباً، لأنه خارج منطق المحاسبة يصبح كل وزير امبراطوراً في وزارته أو وكيلاً للامبراطور- الزعيم الذي عيّنه!
لن يكون ثمة أمل في الحكومة الجديدة ما لم يخرج جميع الوزراء من تبعيتهم وولائهم للقوى السياسية التي أتت بهم في حفلة المحاصصة الفاقعة والمقززة التي عشناها، لينتقلوا إلى الولاء الحصري للوطن ولمصالح المواطنين من دون تفرقة أو تمييز!
بطبيعة الحال لن نحكم اليوم على الحكومة الجديدة التي تستحق منحها الفرصة، وخصوصاً مع وجود 17 وزيراً جديداً بينهم 4 سيدات، كما أننا لن نتصرّف على قاعدة “قوموا تا نهنّي” ولا أن “نفوت مع أم العريس ونخرج مع أم العروس”!
واجباتنا كصحافيين وكمواطنين وكرأي عام أن نبقى العين الساهرة لنصوّب على كل خطأ في الأداء وننوّه بكل إنجاز عند تحقيقه لا عن إطلاق الوعود بشأنه، لأن في جعبتنا من الوعود ما يجعلنا نعيش في لبنان- سويسرا الشرق في عالم الخيال!
المطلوب من هذه الحكومة ووزرائها الكثير، وإن كان المنتظر قليلاً، ولن نرضى بأقل من الحد الأدنى، إذا كانت القضايا السيادية باتت رهناً للتقاطعات الإقليمية بكل أسف: لا تفرّطوا بالحد الأدنى من السيادة وهيبة الدولة، توقفوا عن الممارسات الفاسدة والزبائنية، باشروا بتطبيق الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة، ولينطلق قطار الإصلاح من البوابات الواضحة: الكهرباء والتهرّب الجمركي وترشيق الإدارة والحكومة الالكترونية، ولتكن مقررات “سيدر” مدخلاً إلزامياً لوقف المنحى الانحداري ليبقى لنا أمل بمستقبلنا ومستقبل أولادنا في هذا البلد.
ورجاء، قلّلوا ما أمكن من الكلام والوعود، وركزوا على العمل لا المناكفات. أما أنتم أيها اللبنانيون فكونوا الرقابة الفعلية بعيداً عن منطق الدفاع الأعمى عن أي ممارسات خاطئة فقط لأن هذا الوزير أو ذاك ينتمي إلى حزبكم أو تياركم!
هل ننجح؟ التجارب السابقة غير مشجعة على الإطلاق، لكنّ الفرصة تبقى قائمة إذا ما صفت النيات وسلمت الممارسات، وإذا ما فصلنا السياسة والصراعات السياسية عن المعالجات المالية والاقتصادية والاجتماعية والإنمائية… فهل من يسمع؟!