كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:
تدخل الحكومة اللبنانية الجديدة في سباق مع الوقت، لإطلاق ورشة عمل واسعة، والشروع بتنفيذ الإصلاحات الضرورية، بدءاً من وقف الهدر، والحدّ من العجز المالي وزيادة التضخّم، وتعويض ما فاتها خلال تسعة أشهر من الفراغ، لكنّ ورشة الإصلاحات هذه تواجه عقبات، ستبرز في الأيام المقبلة في اجتماعات اللجنة المكلّفة صياغة البيان الوزاري، بفعل الخلافات العميقة حول بنود أساسية، أهمها مقاربة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم.
وفيما يقارب فريق «14 آذار»، المتمثّل في تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، بندَي سلاح «حزب الله» والعلاقة مع دمشق، بحذرٍ شديد، يتفق الجميع على معالجة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، لكن بمقاربات مختلفة. حيث قلل عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر، من أهمية البنود الخلافية في البيان الوزاري، ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مكونات الحكومة قد تعتمد البيان السابق في القضايا الشائكة». ولفت إلى أن «مقاربة سلاح (حزب الله) لن تكون معقدة، خصوصاً بعد الكلام الأخير لأمين عام الحزب السيد حسن نصر الله، الذي أبدى استعداده للدخول في بحث الاستراتيجية الدفاعية».
لكنّ المعالجة الدبلوماسية للقضايا الحساسة يرفضها الحليف الرئيسي لتيار «المستقبل»، أي حزب «القوات اللبنانية»، وأشار عضو كتلة «الجمهورية القوية»، وهي كتلة الحزب في مجلس النواب، النائب وهبي قاطيشا، إلى أن «تعاطي (القوات اللبنانية) في القضايا الخلافية لن يتبدّل، خصوصاً في ما يخصّ سلاح (حزب الله) والعلاقة مع النظام السوري». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «موقف (القوات اللبنانية) واضح وهو عدم إعطاء أي شرعية لسلاح (حزب الله) في البيان الوزاري، ولن نقبل بالتلاعب بصيغة البيان وعبارات المواربة لتشريع هذا السلاح»، مؤكداً أن «وزراء (القوات) سيتحفّظون على هذه المسألة».
من جهته، توقع منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» فارس سعيد، أن يكون البيان الوزاري «نسخة منقّحة عن بيان الحكومة السابقة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كلّ الأطراف داخل الحكومة ترغب في اعتماد البيان السابق تجنباً لطرح موضوعات شائكة، خصوصاً أن كلّ حكومات الوفاق الوطني ترتكز على بيانات وزارية ملتبسة، وعلى مخارج لفظية، أكثر مما هو برنامج يرسم سياسة الدولة، وبالتالي لن يكون البيان عقبة أمام نيل الحكومة الثقة في البرلمان».
وكما أن لفريق «14 آذار» تحفظات على المسائل الخلافية، فإن حلفاء النظام السوري، يبدون معارضتهم على بعض البنود التي سيلحظها البيان، أهمها البنود الإصلاحية التي يشترطها مؤتمر «سيدر»، وملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والالتزام بالقرارات الدولية، لكن مصادر سياسية متابعة تضع هذا الأمر في خانة الضغوط المتبادلة.
وبينما لم تُعرف المخارج التي سيعتمدها الرئيس الحريري لاجتياز الخلاف على الملف السوري بأقلّ الأضرار، ذكّر النائب سمير الجسر أن الدولة اللبنانية «لم تقطع علاقاتها مع سوريا حتى في ذروة الحرب السورية، بدليل وجود السفير اللبناني في دمشق والسفير السوري في بيروت، واستمرار التنسيق الأمني في عدد من الملفات». لكن الجسر فرّق بين علاقة الدولة اللبنانية مع سوريا، وعلاقة الرئيس الحريري بالنظام السوري، مؤكداً أن الحريري «لن يقبل بفتح جسور التواصل مع نظام صنّفه إرهابياً وصادر أملاكه (الحريري) في سوريا، وأصدر أحكاماً بحقه». وقال: «نحن مع علاقات على أفضل حال مع كلّ الدول العربية الشقيقة، شرط أن تكون علاقات ندِّية ومتوازنة، وليست علاقات إذعان وتبعية».
ويعتبر نائب «القوات اللبنانية» وهبي قاطيشا، أن «أي طرح لإعادة التطبيع مع النظام السوري سيكون موضع خلاف حقيقي، لأن إعادة فتح العلاقات من خارج الإجماع العربي مؤذية للبنان»، ويؤكد أن «أياً من الدول العربية لم تؤسس لعلاقة جديدة مع نظام بشار الأسد، وإذا كان فتح السفارة الإماراتية هو المعيار، فإن السفارة اللبنانية موجودة، ولا داعي للذهاب أكثر، خصوصاً أن بقاء نظام الأسد غير مضمون». واستطرد قاطيشا قائلاً: «بالتأكيد ستكون علاقاتنا مميزة مع النظام الجديد في سوريا، وعلى قاعدة العلاقات الندّية والمتكافئة وليست التبعية، ونحن نحرص على أحسن العلاقات مع الشعب السوري الشقيق».
ورغم المواقف الاستباقية الرافضة لوصل ما انقطع مع دمشق، استبعد النائب السابق فارس سعيد، أي تغيير جوهري في البيان بما خصّ العلاقة مع سوريا، لافتاً إلى أن «حزب الله» سيفرض شروطه ولن يقف أحد بوجهه في السيناريوهات التي يرسمها للمرحلة المقبلة، بعدما باتت لدية الأكثرية في الحكومة وفي المجلس النيابي، وعلى تحالف وثيق مع رئيس الجمهورية.
وتوقع أن «يتم الاتفاق على وضع هذه المسألة من ضمن العلاقات العربية مع النظام السوري، وأن يختبئ الجميع وراء موقف الجامعة العربية»، لافتاً إلى أن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، أبلغ أحمد أبو الغيط (الأمين العام للجامعة العربية) عندما التقاه في القاهرة، بقائمة الشروط الأميركية المطلوبة لعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وهذا ما سيعتمده الحريري في مقاربته لهذا الأمر.