كتب سمير عطالله في صحيفة “الشرق الأوسط”:
ظل الراحل وفيق العجوز لسنواتٍ مدير مكتب «طيران الشرق الأوسط» في القاهرة. وكان يعتز بأنه يؤمِّن وصول الصحف اللبنانية كل يوم إلى مكتب الرئيس جمال عبد الناصر، الذي يحرص على قراءتها.
ذكرت ذلك في ندوة أقامتها صحيفة «الخليج» في الشارقة، فشعر أحد الحضور بالإهانة والغضب، ووقف يتحدى أن أثبت ما أقول. وبما أنني لا أحمل الإثباتات في جيبي، فضلت الصمت. فهذه ندوة فكرية، وليست مسابقة لشرلوك هولمز.
ومرة أخرى كتبتُ أن الرئيس عبد الناصر أراد أن يشجع المطربة عفاف راضي كمنافسة لفيروز بعدما ملأ صوتها العالم العربي. ولم أكن أحمل الإثبات في جيبي. أما مصدري فكان ما نقلته آنذاك الصحافة اللبنانية، خصوصاً الناصرية منها.
أيضاً تعرضت للشتم من المؤدِّب إياه. وقررت، لألف سبب، ألا أرد. وأحد هذه الأسباب أنه لم يحدث لي مرة أن قرأت ما يكتبه الرجل، إلا فيما قيل لي عن معاركه ضدي، وأنا إنسان بلا معارك، لأن الحياة أهم وأقصر من إضاعتها في إعطاء ذرائع الجَدَل للباحثين عنها.
قرأت مؤخراً مقابلات الأديب يوسف القعيد مع محمد حسنين هيكل (دار الشروق) عن عبد الناصر والمثقفين العرب. عن الصحافة اللبنانية يقول هيكل ما يلي:
«كان في الصباح الباكر (أي عبد الناصر) يرى الصحف المصرية. ثانياً وقت الظهر، تكون قد وصلت صحف وجرائد العالم العربي، خصوصاً بيروت. ثالثاً ليلاً، تكون قد وصلت الصحف الخارجية…
كان نظامه اليومي مع الصحافة المصرية والعربية والعالمية، الصحافة المصرية صباحاً يراها مع الإفطار، ولأنه لم يكن ينام بعد الظهر، كان فقط (يمدد وهو صاحي)، وكان يأخذ معه الصحف القادمة من بيروت».
عن عفاف راضي، يقول هيكل حرفياً ما يلي: «يومها لفت جمال عبد الناصر نظري إلى صوت عفاف راضي. قال لي إنها موهبة. صوتها فيه حاجة وعيّنة من فيروز، ولو أن أحداً اهتم بيها في الإذاعة، ووفروا ليها ملحنين كويسين، يمكن تصبح عفاف راضي فيروز أخرى. فأرجوك تهتموا بيها. ثم عدنا وحدثت أمور أخرى وجدّت ظروف مغايرة».
يقول هيكل: «كان جمال عبد الناصر يعتبر أن هناك مركزين للحيوية الفكرية والفنية في الوطن العربي: القاهرة وبيروت. كان جمال عبد الناصر يعتقد أن الشام تصب في بيروت في النهاية، وأن الأردن والخليج تصب في بيروت، وأن شمال أفريقيا ووسط أفريقيا وجنوبها والسودان تصب في القاهرة. إن تفاعل وتلاقي العاصمتين مع بعضهما، كان في اعتقاده، يمكن أن يحدث المعجزة، ولذلك، كان يحب أشياء كثيرة لبنانية». هذا ما شهد به أقرب الصحافيين إلى عبد الناصر.