كتبت صحيفة “اللواء”:
دع عنك وليد جنبلاط، وتغريدات الحنق والاستياء، وليس الابتزاز، التي سبقت وتلت تأليف الحكومة، ونزعته الواضحة، لإعاقة التأليف، إذا أمكن، عندما دعا الرئيس المكلف، قبل ساعات قليلة، من الولادة القيصرية، لإخراج أرنب من قبعته، من دون ان يُدرك أن على الضفة الأخرى من النهر، من بات مستعداً لإخراج أرنب، بأقل خسائر ممكنة.. وهو يقبع في معراب، بعد رحلة إلى الخارج، اعادته مذقوناً (أي له لحية بيضاء) أو ملتحياً، على طريقة الرهبان والأحبار، وبعض مشايخ السياسة، في عموم الشرق الأوسط. دع عنك الحنق، وربما الخيبة، والترقب المبهم، تجاه المستقبل، وعُدْ إلى صلب المشكلة: ليس لِمَ ولدت الحكومة، ولكن على أية صورة، وضمن أية حسابات، ومن الرابح أو الخاسر.
لم يكن ثمة بدّ من ولادة الحكومة. فالدولة الإئتلافية التي نظمت الطائف، بعد الـ2005، لم تكن عاجزة عن اجتراح «المعجزة» الوهمية، وتركيب أجنحة الافتخار والانتصار، و«البهورات» اللبنانية المعروفة.. بمعنى ما، استيلاد صيغة حكومة، تذهب إلى مجلس النواب، وتأخذ الصورة التقليدية، وتنال الثقة، بعد تسلم وتسليم، ونقل وانتقال… الخ.
وضَعَ استيلاد «سيزاري» (أي قيصري) للسلطة الإجرائية، في نسخة الحكومة بعد الطائف، حداً لحفلة خيالات، ومراهنات، بدأت بعدم رؤية حكومة، لا في سنة ولا في سنتين، ولا حتى في عهد أو عهدين، وكأن اللاعبين، على مسرح الـ10452 كلم2، (ربما زادت المساحة، بعد الخط الأزرق، والحرب السورية بعض الشيء؟!) هم أسياد أنفسهم، وهذا وهم، سرعان ما تصدّع، قبل وبعد زيارة الرئيس المكلف حينها إلى باريس، وجملة الاتصالات المكشوفة، والتي لم يفصح عنها (هذا إذا كانت حصلت) حول مسألة الحكومة، وتأليفها، قبل فوات الأوان.
بمعنى ما، لا يُمكن لطرف ان يكون هزم أو انتصر.. كان لا بدَّ من مراعاة الشكل: انه «سيدر» يا عزيزي!
جاءت الحكومة، ودعك، من حكومة العهد الأولى، أو الثانية، ولعبة التوصيفات الدعائية، على صورة مؤتمر «سيدر»، الذي أقر جملة من الإصلاحات للبنان، مقابل 11 مليار دولار من القروض الميسرة، والمشاريع المتعلقة بالبنية التحتية..
الحكومة الثلاثينية الحالية، لم تكن، ولن تكون مطلب ممثلي الطوائف الكبرى والصغرى (مع اعتذار المشكلين من الطوائف الصغرى لا سيما السريان والعلويين) بل كانت مطلباً إقليمياً (إيران ودول الخليج) وأوروبياً (فرنسا وإيطاليا ودول الاتحاد الاوروبي) وأميركياً بعد بلع حبة إعطاء وزارة الصحة لحزب الله، فضلاً عن الروسي، الذي يطمح لشراكة في (سيدر)، من بوابة إعادة «إعمار سوريا».
إذا، على صورة استحقاقات «سيدر» جاءت الحكومة بهذا المعنى، شكل التأليف تقليداً تاريخياً، بأن تأليف الوزارات اللبنانية، محكوم دائماً بحسابات الخارج، وهذا ما أدركه جيداً السياسي الطامح، وزير الخارجية والمغتربين، والماروني الذكي، المتفوق، النائب جبران باسيل، الذي نظر طويلاً لفصل النيابة عن الوزارة، ثم ما لبث ان تراجع، من أجل نفسه، ومن أجل غيره (ومرحبا مبادئ).
هذا الأمر، يقتضي العودة إلى حسابات الأطراف المحلية، ولنبدأ من الوزير باسيل نفسه:
1 – نجح الوزير الشاب، بفرض أجندته الخاصة والفردية، على مختلف المكوّنات، بدءاً من تفاهم 6 شباط، وتفاهم مار مخايل عام 2006 مع حزب الله، فصار قوة وطنية، بعدما كان قوة مسيحية، وبات له امتداد إيراني، وعربي (سوري تحديداً)، فضلاً عن ارتباطات أخرى، خارج ما يسمى الدياسبورا اللبنانية (بتعبير الفريق الباسيلي).
– ترتبت على هذه الأجندة، تسليفات سياسية، عززتها تطورات حرب تموز 2006، وحجم «الفواتير» الوزارية والنيابية والرئاسية، التي قدمها حزب الله، إلى حليفه، على قاعدة «الوفاء» والصدقية، وسائر القيم التي جرى تداولها على ألسنة مسؤولين من التيار الوطني الحر وحزب الله.
– بلغت هذه التسليفات سقفاً صلباً، مع انتخاب العماد ميشال عون (قائد الجيش السابق، ومؤسس التيار الوطني الحر) إلى سدَّة الرئاسة الأولى، بعد شغور رئاسي تخطى العامين ونصف، «مترس» خلالها الحزب، وراء الرجل، الذي وقف بشجاعة إلى جانبه في حرب تموز.. ولم يتراجع قيد أنملة، حتى تمكن من فرضه رئيساً بقوة «التسوية السياسية» وقوة الانتخابات مع ان العدد الأكبر من النواب كان في كتلة «المستقبل»، أو تكتل لبنان أولاً، الذي تشكّل في انتخابات الـ2009، بعد تسوية الدوحة، التي جاءت بالعماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية غداة احداث 2008 (5 أيّار و7 و8 أيّار و11 و12 من السنة نفسها).
يفخر باسيل بأن لديه التكتل النيابي اللبناني الأوّل، ويفخر بأنه تمكن من تسمية 11 وزيراً (وهو الثلث المعطل في حكومة ثلاثينية)، مع العلم ان حصته الفعلية، تساوي فقط تسعة وزراء، إذا لم يكن هناك أقل، باعتبار ان الوزير صالح الغريب (شقيق شيخ العقل ناصر الدين الغريب المعين من الأمير طلال ارسلان) يصوّت في الشدائد لصالح حزب الله وحلفائه، كذلك الوضع، بالنسبة للوزير حسن مراد (نجل النائب عبد الرحيم مراد).
2 – يتصرَّف حزب الله، بأنه كسب الرهان على الحكومة، وعلى رأسها الحريري الابن، غير عابئ لا «بفيتو أميركي»، ولا بتهديدات ترامبية ضد إيران، ولا ببناء الجدار الفاصل، وعنتريات بنيامين نتنياهو، أخذ وزارة الصحة، وضغط على باسيل لقبول التشكيلة، كما رست عليها التفاهمات في ربع الساعة الأخير..
3 – بدا الرئيس الحريري، منتصراً مع عشرة وزراء حصته مع حصة حزب القوات اللبنانية (6+4). فرض خيار الحكومة الثلاثينية، وأنهى ثمانية أشهر، وأيام من إمساك باسيل بمقدرات البلد، وكان له ما أراد من الوزارات، ليتمكن، إذا ما انتهى «الحرد» مع جنبلاط، من اللعب بأكثر من 11 وزيراً، مع انه ليس بحاجة، لمثل ذلك، فيكفي أن يستقيل، لتصبح الحكومة مستقيلة من الناحية الدستورية..
4 – وبإمكان الرئيس نبيه برّي، الذي بقي لاعباً قوياً، نظراً لامساكه بوزارة المال، وتمكنه من نيل حقيبة الثقافة، بمعزل عن الملابسات، التي أدت إلى التوزير وحساباته، وغاياته البعيدة، وماذا في نفس يعقوب..
5 – نجح سمير جعجع، بالبقاء في النادي الوزاري، وبعث برسالة قوية لباسيل، لست أنت من يُحدّد مصير «القوات» في الحكومة.. إلخ.
في اللعبة المحلية هذه، صار في البلد حكومة.. والناس تسأل عمَّا هو مأمول منها؟
بصرف النظر عن السهام المصوّبة، إلى «المرمى»، الحكومة ستنال الثقة، وستعمل وستجري التعيينات، ولن تخرج عن الإسراع بإقرار الموازنة..
ولا بأس، من توعدات باسيل، بأن الاستقالة في جيبه.. إذا.. وإذا.. العجلة على السكة. تبدّل المشهد، وأمام الرئيس الحريري، فرصة لالتقاط المبادرة، مجدداً، مدعوماً من قوى كثيرة، بمعزل عن اسم حكومته الثالثة؟!