Site icon IMLebanon

هل يعود “داعش” إلى سوريا والعراق خلال 12 شهراً؟

كتب ايليا ج. مغناير في صحيفة “الراي” الكويتية:

تعتقد الأجهزة الأمنية الأميركية، أن تنظيم «داعش» يستطيع العودة إلى السيطرة على أراضٍ شاسعة كان يحتلها خلال 12 شهراً من انسحاب القوات الأميركية من سورية. وذهب بعض مَن يصنّفون أنفسهم بخبراء ومحلّلين الى القول إن «داعش» بإمكانه «استعادة 50 في المئة من الأراضي التي كان يحتلها» سابقاً، أي ما يوازي نصف مساحة بريطانيا.

يمكن لأميركا أن تقول ما تريده، هي التي أعلن رئيسها دونالد ترامب أنه أنهى «داعش» تقريباً بينما أعلنت البنتاغون أن هناك نحو 20 إلى 30 ألف مقاتل لـ«داعش» ما زالوا في العراق وسورية.

وفيما يقول هؤلاء «المحللون» إن «داعش» يستطيع استعادة نصف الأراضي التي كان يحتلها، تذكّر مصادر مطلعة عل الواقع الميداني في سورية بأن القوات الكردية الموجودة في حدود ما تبقى لـ«داعش» في سورية – أي نحو 7 كيلومترات في منطقة شرق الفرات – تجد نفسها عاجزة عن استيعاب مئات «الداعشيين» الذين يتقدّمون لتسليم أنفسهم وكذلك عائلاتهم من النساء والأطفال بعدما تُركوا في الصحراء من «داعش» ليذهبوا ويسلّموا أنفسهم ويجابهوا السجن في بلادهم بدل الموت في الصحراء أو تحت القصف الذي يتعرضون له من قوات التحالف والقوات العراقية التي تقصف مواقعهم من الحدود العراقية – السورية. كذلك لا يزال «داعش» عاجزاً في العرقوب وباغوز الفوقاني وباغوز التحتاني على الحدود السورية.

وما يجهله هؤلاء «المحللون» أن أي حرب تحتاج لتمويل مادي ضخم يغذيها ويؤمن العناصر اللازمة لنجاحها، بينما نرى أن دولاً ساهمت في الحرب لتغيير النظام لم تعد تهتمّ لما يحصل في سورية وبمعارضيها ومجاهديها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة وأوروبا ودول الشرق الأوسط أوجدت آلية قانونية لمراقبة المصارف والتحويلات المالية وكل التبرعات التي كانت تجد طريقها إلى سورية والعراق لتغذية الإرهاب والعمل العسكري لقلب النظام السوري وتقسيم العراق.

وأيضاً، فإن مواقع التواصل الاجتماعي سمحت لـ«داعش» و«القاعدة» بالتواجد ونشْر كل ما يشاءان من مواد إعلامية تُظْهِر ما يريدانه لجذب المقاتلين الجدد والمهاجرين وإظهار «الدولة الإسلامية» كحلمٍ يصبو إليه كل مسلم. وذلك في الأعوام الأولى لإعلان «داعش» خلافته المزعومة. إلا أن «تويتر» و«فيسبوك» أغلقا عشرات الآلاف من الحسابات التابعة لـ«داعش» ومناصريه ومنعا قدر الإمكان استخدام التكنولوجيا المتوافرة لإيصال رسائل الجهاديين الى العالم من دون حواجز.

كذلك تعلّم العراقيون والسوريون الدرس على حسابهم وحساب تدمير بلادهم. فما رأي هؤلاء في العراق وسورية بأعمال «الدولة» (كما كانوا يسمون داعش) ومن كذبها على الناس وعلى المهاجرين الذين أخذتهم الحماسة للسفر إلى سورية والعراق تحت وعود كاذبة، وكيف ان أركان الدولة الأساسية – التي تقضي بحماية رعاياها – لم تكن متوافرة أبداً بدليل أن «داعش» فقد السيطرة على كل أراضيه خلال سنتين.

وكان «داعش» يملأ خزائنه من بيع النفط والضرائب التي يفرضها على بيع المحصول الزراعي وعلى السيارات والبناء والنقل وعلى السرقات وبيع الآثار. أما اليوم فكل هذا انتهى ولم تعد هناك بيئة حاضنة ولا ممولين قادرين على مساعدة بناء دولة «داعش» من جديد، حتى ولو كان زعيمها قد أمر بتخزين المال والسلاح كما فعل قبله صدام حسين ولم ينفعه ذلك في شيء.

من السذاجة التفكير ان «داعش» لن يستطيع القيام بعمليات إرهابية، صغيرة وضخمة، في سورية والعراق. فقد استطاع الإرهاب ضرب نيويورك وبروكسيل وباريس ومدريد ومدن أخرى أوروبية، وكثيرة هي الأمثال الشرق أوسطية. وكانت «القاعدة» في العراق تضرب أهدافاً كثيرة عندما كان لأميركا عشرات الآلاف من الجنود. ولذلك فإن تواجد بيئة حاضنة صغيرة وأسلحة مخبّأة وعناصر مختبئة هو شيء طبيعي جداً وخصوصاً في السنوات الأولى بعد انتهاء «داعش» كلياً من السيطرة على أي بقعة من الأراضي. إلا أن هذا التنظيم أصبح مخْفياً لا يستطيع الظهور علناً في أي منطقة بسورية والعراق.

ولا تستغرب مصادر مطلعة أن يتحدّث مناصرو الحرب في الإدارة الأميركية عن خطر عودة «داعش» وكذلك المحللون الذين يعيشون على زرع بعبع الخوف من هذا التنظيم. فالإدارة الأميركية – على عكس ترامب – لا تريد الانسحاب من سورية والعراق. والمحللون يعيشون على «خبرتهم» بـ«داعش».

واليوم يتّجه العالم الى قطبين: أميركي يحاول فرض سيطرته العسكرية على العالم، وروسي – صيني يجمع كل رافضي الهيمنة الأميركية على حساب النهوض الاقتصادي وخصوصاً بعد التدهور المالي العالمي.

لم يعد لـ«داعش» أمل باحتلال أوالمحافظة على أي قطعة أرض في سورية والعراق. وسيسمع العالم عن أعمال «داعش» الإرهابية المنفردة، ولكن هذا التنظيم ذهب إلى مزبلة التاريخ من دون عودة.